
"الحنين: بين الأوطان": المنفى في صور فوتوغرافية
يستضيف غاليري "بالو" في نيويورك معرضاً فوتوغرافياً لثلاثة مصورين من فلسطين تحت عنوان "الحنين: بين الأوطان" . في هذه التجارب الفوتوغرافية الثلاث التي يقدمها أمين أبو قاسم ونادية بسيسو ولينا خالد يتجسد دور الصورة الفوتوغرافية أداةً للتعبير والمقاومة،
إذ تكشف الصور المعروضة زوايا غير مألوفة من قصص النزوح والحنين إلى الوطن. المصورون الثلاثة اختيروا ضمن برنامج التصوير الوثائقي العربي التابع للصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق).
غالباً ما ترتبط التغطيات الفوتوغرافية المتعلقة بفلسطين بصور الدمار أو المواجهات المستمرة مع الاحتلال، غير أن هذا المعرض لا يستغرق كثيراً في رصد هذا الجانب من القضية الفلسطينية إذ يسلط الضوء على التحديات الشخصية التي يواجهها الفلسطينيون في الشتات بعيداً عن وطنهم. الصور المعروضة هنا تمثل شهادات ووثائق بصرية وانعكاس لمشاعر عميقة تسكن ذاكرة كل فلسطيني يعيش بعيداً عن أرضه. المعرض، الذي يستمر حتى الثامن من فبراير المقبل يُبرز دور الفن في كسر الحواجز الجغرافية والثقافية، مقدّماً رؤية جديدة عن الفلسطينيين بوصفهم أفرادا يحملون أحلاماً وآلاماً وليسوا مجرد أرقام في التقارير الإخبارية.
تُبرز أعمال أمين أبو قاسم، المصور الفلسطيني السوري المقيم في بيروت، توازناً دقيقاً بين اللحظات اليومية البسيطة والفوضى المحيطة بها.
من خلال سلسلة أعماله "نستحق وقتاً أفضل على هذه الأرض"، يدمج بين صور عاطفية لمشاهد عائلية وبين مشاهد أخرى لجنود مسلحين أو شوارع مضطربة بالمواجهات.
يتخلل هذه الصور عدد من النصوص القصيرة أشبه بمذكرات شخصية. في واحد من هذه النصوص يقول أبوا قاسم "أتساءل: لو وُلدتُ في الجانب الآخر من العالم، هل سأكون في هذا المكان نفسه؟"،
وهو تساؤل يحمل في طياته صراعاً داخلياً يعكس شعور كل منفي فلسطيني يبحث عن إجابات لأسئلة لا نهاية لها.
من جانبها تنظر نادية بسيسو، المصورة الفلسطينية الأردنية إلى قضايا الجغرافيا والنزاع من زاوية بيئية. في سلسلة أعمالها "هلال غير خصيب"، تستخدم بسيسو الماء رمزا للندرة والأمل في الوقت نفسه.
تصويرها لوادي الأردن والبحر الميت ومصادر المياه المهددة في منطقة كانت تعرف بالهلال الخصيب يعكس كيف حولت الصراعات الجيوسياسية والأطماع الصهيونية منطقة كانت يوماً مهد الحضارات إلى ساحة نزاع على الموارد الطبيعية. في إحدى صورها، يظهر أطفال يلعبون في بركة صغيرة تحت شمس حارقة، مما يجسد العلاقة المتناقضة بين ندرة المياه والحياة اليومية.
تقول بسيسو معلقة على مجموعتها الفوتوغرافية تلك: "رغم الحدود المصطنعة التي تفصلنا عن فلسطين، إلا أن كل ما يحدث هناك ينعكس علينا في الشتات".
أما المصورة لينا خالد التي وُلدت لعائلة فلسطينية لاجئة في الأردن، فتُبرز في أعمالها تلك المشاعر المربكة بين الأمل واليأس. في سلسلة "النظر إلى هناك خطيئة"،
تستلهم لينا ذكريات زياراتها للبحر الميت، حيث كانت ترى فلسطين على الجانب الآخر من الماء دون أن تتمكن من الوصول إليها. صورها بالأبيض والأسود هي لمناظر طبيعية هادئة ولكنها مليئة بالحدود المادية والنفسية:
أسوار وأبراج مراقبة وأراضٍ تبدو قريبة جداً ولكنها بعيدة المنال. تصف لينا خالد المعرض بأنه فرصة للتأمل في مفهوم الحدود وتأثيرها على الهوية.
أرادت المصورة أن يلمس المشاهد المشاعر الإنسانية التي يحملها الفلسطينيون في الشتات، وهي مشاعر تتجاوز الزمان والمكان كما تقول.
إن الصور المعروضة هنا كما تقول خالد هي دعوة للتفكير في ما يعنيه أن تفقد وطنك وأن تحمل ذكرياتك عبر أجيال وأن تنظر إلى مكان قد لا تصل إليه أبداً.
يؤكد المعرض قدرة الصورة الفوتوغرافية على تقديم سرد مختلف وتبنيها بما هي فعل مقاومة يقدم شهادات حية تؤكد على حق الفلسطينيين في رواية قصصهم الخاصة.
فالفن هو وسيلة مهمة للحفاظ على الذاكرة الجماعية ومقاومة محاولات النسيان والطمس المتعمد كما يقول المصور أمين أبو قاسم. ترى نادية بسيسو كذلك أن الصور التي يقدمونها تحمل قصصاً عن أجيال تعيش في المنفى، لكنها تُظهر أيضاً القوة التي يستمدونها من ذكرياتهم.
ما يميز هذا المعرض أنه يقدم روايات شخصية تسلط الضوء على الصمود والجمال وسط المآسي وتمزج بين الجمال والحزن، وبين الذاكرة والأمل.
أما رسائله فتمتد إلى ما هو أبعد من القضية الفلسطينية، لتلامس تجارب إنسانية عالمية، فقضايا النزوح والهوية والحدود ليست مقتصرة على الفلسطينيين وحدهم، بل هي واقع يعيشه ملايين البشر حول العالم.