ترامب ينتزع أصوات «اللاتينيين»: مستقبل «صعب» في انتظار القارة
الرأي الثالث - وكالات
وعد الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، بـ«غزو» المكسيك أو قصفها، في حال دعت الحاجة، للحد من الهجرة الشرعية وتدفق المخدرات عبر الحدود الأميركية – المكسيكية، ووصف المهاجرين الهسبان والأميركيين اللاتينيين بـ«المجرمين والمغتصبين»، متعهداً بأكبر ترحيل جماعي لهم، قد تكون له تبعات دراماتيكية على اقتصادات بلدانهم وعائلاتهم.
ومع ذلك، حشدت هذه الفئة، في يوم الانتخابات، صفوفها، وصوتت لترامب. ورغم أنّ منافسته كامالا هاريس، حصدت غالبية أصوات اللاتينيين، إلا أن تلك التي انتزعها ترامب منها، في أوساط هؤلاء، حرمت هاريس الفوز، وتحديداً في ولايات «الجدار الأزرق» المتأرجحة، بما فيها بنسيلفانيا، حيث توافد البورتوريكيون، الذين سبق لترامب أن وصف بلدهم بـ«جزيرة القمامة العائمة»، للتصويت له.
وبالأرقام، ارتفعت نسبة التأييد لترامب في أوساط الأميركيين من ذوي الأصول اللاتينية بنسبة 14 نقطة مئوية. حتى إنّ الاحتفالات عمّت بعض الشوارع التي يعيشون فيها، في أعقاب فوزه،
علماً أنّ شعبية الأخير بدت مرتفعة إلى حدّ كبير في أوساط الرجال اللاتينيين تحديداً، ما دفع بعدد من المراقبين إلى البحث في الأسباب الكامنة خلف ذلك.
ويختصر عدد من المحللين الإجابة كالآتي: على غرار سائر المواطنين الأميركيين، كان الاقتصاد، والرعاية الصحية، وبشكل لافت، الهجرة غير الشرعية، على رأس أولويات الفئة المشار إليها، ما جعلها، تتماهى، إلى حدّ كبير مع قاعدة ترامب المؤلفة من «الرجال البيض»، وقد يجعلها حتى، جزءاً من تلك القاعدة مع الوقت، رغم أنّها لم تكوّن، تقليدياً، «علاقات» مع أي من الحزبين.
بمعنى آخر، فإنّ عدداً من اللاتينيين – الأميركيين يفصلون نفسهم، بشكل أو بآخر، عن المهاجرين غير الشرعيين، ولا يعتبرون بالتالي، أنّ «إهانات ترامب» موجهة إليهم بالأصل.
وفي الوقت نفسه، يرى البعض أنّ حملة ترامب نجحت في الوصول إلى أولئك المواطنين، الذين بدأت ملامح انحيازهم إلى الجمهوريين تظهر منذ وقت باكر من العام الماضي، بعدما استهدف فريق الحملة، بنجاح، اللاتينيين «المحافظين» والمتمسكين بـ«القيم والتقاليد»، وأولئك المستفيدين من الخفض الضريبي الذي ساد في ولاية الرئيس المنتخب الأولى، سواء الأثرياء منهم أو أصحاب الأعمال الصغيرة، جنباً إلى جنب بذل جهود حثيثة للوصول إلى الشباب اللاتينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
على أنّ ما تقدّم لا يلغي التبعات «الكارثية» التي قد يحملها وصول ترامب إلى البيت الأبيض على عدد من البلدان في القارة اللاتينية. إذ تلفت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية إلى أنّ «أصداء» فوز ترامب بدأت، بالفعل، تتردد في أنحاء القارة، فيما من المرجح أن تظهر التبعات الأسرع والأكثر تأثيراً في المكسيك.
ففي أسبوع الانتخابات الرئاسية، أطلق الرئيس المنتخب تعهدات جديدة بمعاقبة المكسيك بزعم أنّها تستخدم قطاع التصنيع لديها لسرقة الوظائف من الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب تصدير «الفنتانيل والجريمة ومشكلات أخرى شمالاً، مع المهاجرين غير الشرعيين».
وهدد ترامب، من ولاية كارولينا الشمالية، الإثنين، بأنّه «في حال لم توقف المكسيك هجوم المجرمين والمخدرات هذا»، فسوف يفرض رسوماً جمركية تُراوح بين 25 و 100 في المئة على جميع السلع المستوردة منها.
ونظراً إلى أنّ المكسيك والولايات المتحدة هما أكبر شريكين تجارييين لبعضهما البعض، فإنّ مثل تلك الرسوم قد تؤدي إلى «صدمات عميقة للاقتصاديين»، طبقاً للمجلة.
كذلك، سيكون لحملة الترحيل الجماعي التي وعد بها ترامب، تأثير اقتصادي «تخريبي كبير»، على البلدان اللاتينية، نظراً إلى أنّها ستقلل من تدفق التحويلات التي يرسلها عدد من المهاجرين إلى أسرهم، والتي تشكل، على سبيل المثال، حوالى 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السلفادور وغواتيمالا، و 3.5 في المئة في المكسيك.
وفي هذا السياق، حذّر «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي، نقلاً عن خبراء، من أنّ ترحيل ملايين الأشخاص غير المسجلين، سيؤدي إلى تدهور اقتصادات أميركا الوسطى الأصغر، والمساهمة، إلى حدّ كبير، في عدم الاستقرار في تلك المنطقة،
لافتين إلى أنّه في حال كان ترامب يراهن على أنّ تشديد الحدود بما يكفي يمكن أن يسهم في«احتواء مظاهر الفوضى في المنطقة»، فإنّ التاريخ «يُظهر خلاف ذلك».
وتشير «فورين بوليسي»، من جهتها، نقلاً عن المؤرخ أندريه باجلياريني، إلى أنّ «عداء ترامب لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أقامته الولايات المتحدة وحافظت عليه، يمكن أن يزيد من تعددية الأقطاب»، ما من شأنه أن يمنح الرئيس البرازيلي المنتخب، لولا دا سيلفا، هامشاً أوسع لتحقيق «طموحاته الدولية».
اليمين يحتفي
وفي حين لم تعلق كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا على أنباء فوز ترامب، بعدما تعرضت لحملة عقوبات قاسية منه، وفيما بعد من بايدن، وهي حملة من المرجح أن تستمر في ولاية الرئيس الجمهوري الثانية، فقد بدا رئيسا الأرجنتين والسلفادور «متحمسين» لفوز ترامب، إذ هنّآه منذ وقت باكر بمنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما بعث رؤساء البرازيل وهندوراس وشيومارا وغواتيمالا بـ«تمنياتهم الطيبة» لترامب. ومن جهتها، ورغم توتّر العلاقات بين البلدين أخيراً، قالت الرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم، في مؤتمرها الصحافي الأربعاء، إن المكسيكيين «ليس لديهم سبب واحد للقلق» بشأن نتيجة الانتخابات الأميركية، قبل أن تتحدث مع الرئيس الجديد، بعد يوم واحد، عبر الهاتف، واصفةً المكالمة بـ«الودية جداً».
على أنّ تعليقات شينباوم المتفائلة تبقى، طبقاً لمراقبين، اعترافاً بأنّ التهديد الذي يطرحه ترامب «حقيقي».
كما أكّدت الرئيسة المكسيكية أنّ تدفق المهاجرين عبر الحدود انخفض بنسبة 75%، فيما التنسيق مستمر في ما يتعلق بتدفق الأسلحة والمخدرات، وهو ما «سيُستكمل مستقبلاً».
ودعت، أيضاً، إلى دعم «إخوتنا وأخواتنا المكسيكيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، من خلال تعزيز وصولهم إلى المشورة القانونية» اللازمة، وذلك ردّاً على سؤال حول عمليات الترحيل الجماعية التي وعد بها ترامب.