
شلل تام في الحياة العامة: تمدد رقعة الاحتجاجات الشعبية في حضرموت
تمددت رقعة الاحتجاجات الشعبية الغاضبة لليوم الثالث على التوالي في مدينة المكلا وعدد من مدن الساحل بمحافظة حضرموت شرقي اليمن، رفضًا لتدهور الخدمات، وانقطاع الكهرباء والمياه،
ما فاقم من معاناة المواطنين، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وانقطاع الخدمات الضرورية كالكهرباء والمياه، وانهيار قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار.
ونجم عن الاحتجاجات لليوم الثالث حالة من الشلل التام في الحياة العامة في عاصمة المحافظة وبعض مدن الساحل الحضرمي.
واستيقظت مدينة المكلا عاصمة المحافظة، الثلاثاء، على مشهد اليومين السابقين، مع استمرار اغلاق معظم الشوارع والمحلات التجارية وبعض المباني الحكومية، على صعيد تنفيذ العصيان المدني، الذي دعت إليه لجنة التصعيد.
وكان المحتجون قد اقتحموا واغلقوا مبنى المحافظة وميناء المكلا وعدد من المرافق الحكومية.
ونُشرت على منصات التواصل الاجتماعي صورًا من إغلاق عدد من الشوارع مثل: شارع الخزان و40 شقة وطريق باطهف – فوة، في سياق إصرار المحتجين على إغلاق معظم شوارع المدينة منذ ساعات الصباح الأولى،
بما فيها شوارع الشرج والهايبر والغار الأحمر قرب مسجد الصفا، مطالبين بمحاسبة وإقالة الفاسدين في سلطة المحافظة، وتحسين الكهرباء ومجمل الخدمات.
كما تداول ناشطون صورًا ومقاطع فيديو من عدة أحياء في مدينة المكلا، بينها حي السلام، ابن سيناء، 40 شقة، باجعمان، باسويد، حافة البدو، وبويش، تُظهر تصاعد الاحتجاجات الغاضبة.
كما اقتحم محتجون مبان حكومية بما فيها مبنى ديوان المحافظة، تعبيرًا عن حالة الغضب من تعامل السلطة المحلية مع ملف الخدمات خلال السنوات القليلة الماضية.
واقتحم محتجون غاضبون مبنى مؤسسة كهرباء ساحل حضرموت في منطقة فوة المكلا بالقوة، وحطموا سيارة طقم الحراسة، وفق ما تناقله مدونون بالإضافة إلى الصور ومقاطع فيديو المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي.
ورسم تصاعد الأدخنة السوداء في سماء المكلا جراء إحراق الإطارات في الشوارع، صورة معبرة عما وصلت إليه حالة الاحتقان والغضب الشعبي الذي عبر، من خلاله، المحتجون عن نفاد صبرهم مع استمرار تدهور أحوالهم المعيشية.
وذكرت مصادر محلية أن قوات عسكرية منعت متظاهرين غاضبين من الوصول إلى ميناء المكلا وشركة النفط لإغلاقها.
كما ذكرت أن قوات عسكرية أطلقت الرصاص الحي على متظاهرين في منطقة أمبيخة بالمكلا، وأصابت مواطن بجراح نُقل على إثرها إلى العناية المركزة. واتسعت رقعة الاحتجاجات متجاوزة المكلا، لتشمل بعض مدن مديريات ساحل حضرموت.
وخرج المتظاهرون الغاضبون في مدن كالشحر وشحير والغيل وغيرها. وأقدم أهالي مدينة شحير، صباح الثلاثاء، على إغلاق الطريق الدولي الرابط بين حضرموت وسلطنة عُمان، ومنع مرور قاطرات النفط الخام المتجهة من خزانات الضبة إلى عدن.
كما أقدم محتجون في مدينة الشحر على إغلاق الطريق الدولي مع سلطنة عمان وقطع شوارع داخلية، مطالبين بإقالة الفاسدين ومحاسبة المسؤولين على تردي الأوضاع المعيشية.
وأقدم محتجون غاضبون في شوارع مدينة غيل باوزير، على قطع الطرقات، في سياق الغضب الشعبي المتصاعد هناك.
وحتى قبل حلول مساء أمس الثلاثاء مازالت الطرقات الدولية والداخلية في المكلا ومدن ساحل حضرموت مغلقة بالكامل، وبقاء الحياة مشلولة، مع استمرار اشعال النيران، وتصاعد الادخنة، وبقاء عدد كبير من المرافق والمحلات التجارية مغلقة.
واعتبر حلف قبائل حضرموت، أن «فقدان الخدمات الأساسية الضرورية واهمها الكهرباء والمياه والصحة والتعليم وانهيار العملية، هي الأسباب الرئيسية، فيما يحصل حاليًا في العاصمة المكلا وبعض المديريات، ونتيجة لسلبيات متراكمة لاتزال تعاني منها حضرموت».
وأشار إلى أن «المجتمع الحضرمي قد تنبّه مرارًا وتكرارًا لحدوث ذلك منذ أكثر من عام كامل»، مؤكدا أن «هناك إجماع حضرمي على تحقيق مشروع الحكم الذاتي، الذي يرون فيه السبيل الوحيد للخلاص من هذه المعاناة».
وقال إنه لم يصغ أحد «لصوت الشعب الحضرمي»، ولا هناك «أي خطوات ملموسة في اتجاه تصحيح أوضاع حضرموت».
واعتبر أن الاحتجاجات الراهنة هي «الخيار الوحيد» لإنقاذ مجتمع بأكمله، مما اعتبرها «براثن الظلم والفساد».
وقال: «لن نقبل أن تؤول الأوضاع إلى الأسوأ، وسنواجه كل ذلك بموقف جماعي إلى جانب الشعب».
ودعا «دول التحالف العربي والمجتمع الدولي القيام بواجبهم تجاه حضرموت على وجه السرعة»، وفي حال لم يتم ذلك أضاف مهددًا «سنَتَّخذ من جانبنا ما نراه مناسبًا ويخدم بلادنا وأهلنا في حضرموت».
كذلك، اعتبر مؤتمر حضرموت الجامع، الذي يرأسه رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، وكيل أول المحافظة، «أن الاحتجاجات الشعبية وحالة الاحتقان» تمثل «نتيجة طبيعية لاستمرار تردي الأوضاع الخدمية والمعيشة».
وأكد على «الحق المشروع للمواطنين في التعبير السلمي عن مطالبهم»، مشددًا على «ضرورة حماية المحتجين وضمان عدم الانزلاق نحو العنف».
ودعا «الجامع»، رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة «إلى سرعة تنفيذ المعالجات بشأن المطالب والاستحقاقات لحضرموت»،
محذرا من «محاولات بعض الأطراف استغلال هذه الاحتجاجات المشروعة لتحقيق اجندات أو فرض واقع جديد يتعارض مع إرادة أبناء حضرموت»، مؤكدًا «أن الحل لن يكون إلا بإدارة حضرمية خالصة».
الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) في حضرموت، اعتبرت أن خروج المواطنين الغاضبين إلى الشوارع وقطع الطرقات في المكلا ومدن ساحل حضرموت نتيجة الانقطاعات المتكررة للكهرباء والمياه.
وحمّل بيان «الانتقالي»، «السلطة المحلية بطرفيها المتصارعين» ومجلس القيادة الرئاسي كامل المسؤولية. متهمًا الرئاسي بالتقاعس «عن معالجة الأزمة المتفجرة»،
مؤكدًا وقوفه إلى جانب المواطنين، وتأييده لمطالبهم المشروعة، محذرًا من مغبة خروج الأوضاع عن السيطرة، داعيًا المواطنين لضبط النفس والامتناع عن أي ممارسات من شأنها الاضرار بالممتلكات العامة.
فيما دعا عضو مجلس الشورى، صلاح باتيس، ما اسماه مجلس الثمانية (مجلس القيادة الرئاسي) إلى سرعة معالجة الأوضاع في حضرموت،
وقال: «ما كان ينبغي أن تصل الأوضاع إلى هذا. الحضارم أكثر الناس انضباطًا وهدوء، لكن الظلم والفساد وغياب الدولة كارثة، فلا نلوم الشعب المظلوم، وإنما نلومكم ونلوم سلطتكم المحلية، فعجلوا بالحلول قبل فوات الأوان»، وفق «تدوينة».
ويقول الصحافي والقيادي في حلف قبائل حضرموت، صبري بن مخاشن، إن الاحتجاجات أوصلت مدينة المكلا ومدن ساحل حضرموت للشلل التام نتيجة العصيان المدني، فأغلقت كافة المرافق والموانئ ومكاتب الاتصالات ومكاتب التربية والتعليم وغيرها.
بل أغلب مرافق الدولة صارت مغلقة، وأيضًا الشركات الخاصة والتجارية أُغلقت، والطرق العامة الدولية والداخلية صارت مغلقة،
وهناك مئات أو آلاف القاطرات والشاحنات متوقفة في الطرقات، على طول الطريق من مدينة المكلا إلى مدخل المهرة، ولا يسمح لا بمرورها أو بخروجها.
وأضاف: «أتوقع ان هذا سيستمر حتى لو عادت الكهرباء، التي استمرت مطفأة لأربعين ساعة، لكن المواطنين لن يعودوا إلا بتحقيق كل مطالبهم، والمتمثلة في إقالة ومحاسبة القائمين على الخدمات، وفي مقدمتهم المحافظ، وأيضًا أن يُعطى أبناء حضرموت الحكم الذاتي.»
وأشار إلى أن «ما حدث في المكلا اليوم لا شك أنه بسبب انقطاع الكهرباء وانهيار الخدمات، باعتبارها عامل أساسي،
ولكن هناك قضايا كثيرة أجبرت الشارع على الخروج، لعل منها فساد السلطة المحلية، وفشلها في حل كثير من الملفات العالقة، بما فيها انهيار العملة، وارتفاع أسعار الوقود، وتفاقهم معاناة الموطنين، وانتشار الفقر بشكل غير مسبوق،
حتى أن راتب الموظف لا يكفي ليوم أو يومين، أو حتى لضيافة شخصين. الوضع في حضرموت سيء جدًا».
واعتبر تحميل «الانتقالي» مسؤولية ما يحدث للسلطة المحلية والحلف محاولة لتحميل الحلف ما فشلوا فيه، حد تعبيره.
وقال: «المجلس الانتقالي هو شريك في السلطة وشريك في المجلس الرئاسي، ويحاول أن يضرب السلطة المحلية بالحلف، من أجل أن يكون هو في الساحة، ولكن هو بذلك يكشف عن وضعه الحقيقي، حيث لم يعد متحكمًا لا في الإعلام ولا في الشارع. أصبح الحضارم يرفضون مشروع المجلس الانتقالي شكلا ومضمونا».
وفيما يتعلق باتهام الحلف بإعاقة قاطرات الوقود الخاصة بمحطات الكهرباء، أوضح أن ما اعتبرهم «الفاسدين» يريدون استمرار خروج الوقود التجاري المدعوم باعتباره وسيلة من وسائل الفساد، وهو ما أوقفه الحلف.
وقال: «الحلف ليس المتحكم بالوقود، بل بمرور قاطرات الوقود فقط، وهو يسمح بمرور قاطرات الوقود الخاصة بمحطات الكهرباء في حضرموت، بل عمل الحلف على زيادة الكميات المسموح بمرورها لمحطات الكهرباء عما كانت عليه».
وتشهد حضرموت، منذ نحو عام، احتقانًا سياسيًا واستنفارًا قبليًا ضد السلطة المحلية والحكومة المركزية يقوده حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، على خلفية مطالب حقوقية وسياسية تتعلق بالأوضاع المعيشية لأبناء المحافظة.
وتمثل الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في حضرموت تطورًا سياسيًا محسوبا للشارع الحضرمي دون أي تحيز لطرف سياسي. كما أن هذا التطور يعكس مستوى الاحتقان الناجم عن تدهور الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء والمياه وما يمثله انقطاعهما خاصة في فصل الصيف.
وهذا الاحتقان يمكن قراءته بوضوح في فيديو متداول في منصات التواصل الاجتماعي لسيدة حضرمية تشكي حجم الوجع، جراء الفقر المستشري، والذي فاقمه تدهور الخدمات وارتفاع الأسعار.
أحمد الأغبري
القدس العربي