
نزع سلاح "حزب الله".. ملف معقد بين ضغط دولي وتوازنات لبنانية
الرأي الثالث - وكالات
بعد انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان جوزيف عون، وتشكيل حكومة جديدة في وقت سابق من هذا العام، عادت مسألة نزع سلاح "حزب الله" إلى الواجهة مجدداً، مدفوعة بضغط دولي متزايد وإصرار داخلي على حصر السلاح بيد الدولة، وسط تساؤلات حول واقعية هذا الهدف في ظل التوازنات اللبنانية المعقدة.
ويُنظر إلى ملف السلاح كأحد أبرز الملفات الخلافية المتبقية على طاولة الحكومة الحالية، في وقت تشترط فيه عدد من القوى المحلية والدولية المضي بخطوات ملموسة تجاه إنهاء الوضع العسكري المستقل للحزب، لضمان استقرار مؤسسات الدولة، وتهيئة مناخ سياسي ملائم للإصلاح والدعم الدولي.
ويأتي هذا في وقت تتكثف فيه الاتصالات الدولية بشأن الملف اللبناني، مع ارتفاع منسوب التوتر الإقليمي، ووجود مخاوف جدية من انزلاق الوضع الأمني في الجنوب اللبناني، بعد حرب استمرت لأشهر بين الحزب والاحتلال الإسرائيلي، ووسط تنديد دولي وقلق أوروبي من اتساع رقعة الاشتباك.
ضغوط خارجية متزايدة
في 27 يوليو 2025، دعا المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، الحكومة اللبنانية و"حزب الله" إلى اتخاذ خطوات تنفيذية عاجلة لحصر السلاح بيد الدولة، محذراً من أن مصداقية الحكومة باتت على المحك.
وجاءت تصريحاته رداً على إعلان الرئيس اللبناني أن المفاوضات مع الحزب "تتقدم ولو ببطء"، حيث قال باراك، عبر منصة "إكس"، إن بقاء السلاح خارج يد الدولة يعني استمرار الجمود السياسي والأمني،
مؤكداً أن واشنطن تدعم القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة المسؤولة عن سيادة البلاد، شريطة التزام بيروت بخارطة طريق واضحة.
وفي 12 يوليو، كان باراك قد حذر، في مقابلة صحفية، من أن لبنان يواجه "تهديداً وجودياً" ما لم يُعالج ملف سلاح الحزب، مشيراً إلى أن واشنطن، إلى جانب السعودية وقطر، على استعداد لدعم بيروت اقتصادياً وسياسياً، بشرط تنفيذ إصلاحات ونزع السلاح.
ووفق ما كشفه باراك، فإن الولايات المتحدة قدّمت في يونيو خطة شاملة تتضمن نزع سلاح "حزب الله" مقابل مساعدات اقتصادية، ووقف التصعيد الإسرائيلي، وإطلاق عملية إعادة إعمار.
وردت الحكومة اللبنانية بوثيقة طالبت فيها بانسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا كجزء من أي تفاهم شامل.
مواقف دولية وخليجية
تبنت دول مجلس التعاون الخليجي في أكثر من مناسبة موقفاً مشتركاً يدعو إلى ضبط السلاح وفرض سلطة الدولة، مع تقديم هذا الشرط كجزء أساسي من أي دعم اقتصادي أو سياسي للبنان.
وكانت أحدث التصريحات تلك التي أطلقها النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الكويتي، الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (14 يوليو 2025)، خلال زيارته إلى بيروت، حيث قال فيها إن "لبنان سيبقى لبنان، وسوريا ستبقى سوريا، وملف السلاح سيُحل قريباً".
ولم تتأخر الكويت كثيراً حتى أعلنت، في 28 يوليو، إدراج "حزب الله" وجمعية "القرض الحسن" التابعة له، إلى جانب 3 أفراد من جنسيات مختلفة، ضمن اللائحة التنفيذية للعقوبات وتجميد الأموال.
كما ربطت واشنطن وباريس ضمنياً تقديم مساعدات للبنان بتحقيق خطوات جدية نحو هذا الملف، لا سيما بعد اتساع نفوذ "حزب الله" في مؤسسات الدولة.
مبادرات ومخاوف
تطرح بعض المبادرات السياسية إمكانية صياغة تفاهم داخلي جديد يشمل إدماج القوة العسكرية للحزب ضمن منظومة الدفاع الوطني تدريجياً، مقابل ضمانات داخلية وإقليمية، وتحييد لبنان عن الصراعات، وهو خيار لم يُحرك رسمياً حتى الآن.
وتُجمع معظم المواقف الدولية والإقليمية على أن الحل في لبنان لا يمكن أن يكتمل دون إنهاء تعدد القوى المسلحة، لكن لا يزال غياب خارطة طريق واضحة، وضعف أدوات الضغط، يعطلان أي تحرك عملي حتى اللحظة.
وتشير وسائل إعلام غربية إلى أن الدول الداعمة للبنان تسعى في الوقت الراهن إلى ربط أي عملية دعم مالي أو اقتصادي بخطوات ملموسة على صعيد تعزيز سلطة الدولة، بما يشمل إغلاق ملف السلاح غير الشرعي.
وتُطرح في هذا الإطار أدوات ضغط جديدة تشمل العقوبات أو تجميد المساعدات.
من جهتها تحاول بعض الأطراف اللبنانية تمرير صيغة وسطية لا تصطدم مباشرة بالحزب، لكنها في الوقت نفسه تعيد التذكير بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة.
ويُعاد الحديث عن اتفاق الطائف الذي نص على حل المليشيات، مع الإشارة إلى أنه لم يُطبّق بشكل كامل بسبب تعقيدات مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.
وبالرغم من المواقف الداعمة لنزع السلاح، فإن غياب التوافق الشيعي الداخلي بين "حزب الله" و"حركة أمل" يجعل أي تحرك ميداني محفوفاً بالمخاطر،
كما أن أي إجراء غير محسوب قد يُفسر من قبل الحزب كاستهداف سياسي، ما قد يؤدي إلى توترات أمنية.
بنود المبادرة الأمريكية
ووضعت واشنطن، في شهر يونيو الماضي، خلال زيارة باراك إلى بيروت، مبادرة من بين بنودها:
– تسليم تدريجي للترسانة الصاروخية والعسكرية الخاصة بحزب الله إلى الجيش اللبناني خلال مهلة زمنية محددة (تُقدَّر بـ4 أشهر).
– وقف كامل لأي أنشطة عسكرية للحزب داخل لبنان وخارجه، بما يشمل التدريب، أو التهريب، أو التنسيق مع جهات أجنبية.
– دمج عناصر محددة من الجناح العسكري في الجيش أو قوى الأمن الداخلي بعد خضوعهم لتدقيق أمني وتأهيل مهني.
– إشراف دولي متعدد (أمريكي – فرنسي – أممي) على مراحل تسليم السلاح لضمان الشفافية وتفادي التراجع أو التحايل.
– انسحاب الجيش الإسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومناطق أخرى محتلة، ضمن صفقة شاملة تشمل ترسيم الحدود.
– رفع تدريجي للعقوبات الدولية المفروضة على لبنان وفتح باب المساعدات الاقتصادية وإعادة الإعمار.
معضلة معقدة
يشير المحلل السياسي اللبناني، جورج علم، إلى أنه في ظلّ عدم وجود حوار إيراني – أمريكي، وعدم التوصل إلى صفقة متكاملة بينهما تشمل الملفات العالقة بين الطرفين،
ومن أبرزها سلاح "حزب الله" في لبنان، فإنه سيكون عقبة أساسية في وجه الدولة اللبنانية؛ نظراً لأن مصدره إيراني، إضافةً إلى أن الحزب يُمول من طهران أيضاً.
وأضاف :
- "حزب الله" وإن كان لبنانياً في الشكل فإنه يدين بالعقيدة والولاء للولي الفقيه، ومن ثم فإن انتماءه عقائدي، ويتبع توجيهات القيادة الدينية والسياسية الصادرة من إيران.
- يضاف إلى ما تقدّم أن الموفد الأمريكي إلى لبنان، توماس باراك، لم يأتِ بجديد، إذ إن الولايات المتحدة لم تضغط على "إسرائيل" لتنسحب من الأراضي اللبنانية التي تحتلّها.
- كما لم تطلب واشنطن من تل أبيب التوقف عن اعتداءاتها على لبنان، ما يعيق تحرك الدولة اللبنانية ويمنع الحكومة ورئيس الجمهورية من مطالبة "حزب الله" بتسليم سلاحه.
- باراك يطالب الدولة اللبنانية بحصر السلاح حتى لو أدى ذلك إلى عملية عسكرية، إلا أن الخيار العسكري مستبعد لأنه قد يؤدي إلى حرب أهلية مدمرة في لبنان.
- لذلك تبقى مسألة حصر سلاح "حزب الله" عصيّة على التنفيذ حتى إشعار آخر، ما لم تحدث تطورات إقليمية كبرى من شأنها أن تساعد الحكومة اللبنانية في هذا الملف.
- "حزب الله" لا يريد تسليم سلاحه وإيران لا تسمح له بذلك في ظل غياب توافق وحوار إيراني – أمريكي، أما "إسرائيل" فهي لا تتوقف عن اعتداءاتها.
- بناء عليه تبقى الدولة اللبنانية محاصَرة بين العدوان الإسرائيلي من جهة، ورفض الحزب تسليم سلاحه من جهة أخرى.
- المطلوب إذاً هو مبادرة فاعلة على مستوى دولي طبعاً بمشاركة الدولة اللبنانية، للوصول إلى حل جذري لمسألة السلاح.