
العدوان الإسرائيلي على المحطات يفاقم أزمة الكهرباء في اليمن
الرأي الثالث - متابعات
تركز إسرائيل المرتبكة والمتخبّطة في عدوانها على اليمن على استهداف المنشآت المدنية الاقتصادية، التي تخدم نسبة كبيرة من السكان مثل موانئ البحر الأحمر ومطار صنعاء الدولي، إلى جانب محطات توليد الطاقة الكهربائية التي توفر الإضاءة لسكان العاصمة اليمنية ومدن أخرى مثل الحديدة ومناطق واقعة تحت سيطرة الحوثيين،
إذ لا تزال محطة حزيز المركزية خارج الخدمة منذ الاستهداف الأخير في 24 أغسطس/ آب المنصرم، في حين تخضع لعملية إصلاح مكثفة تستعيد معها تدريجياً قدراتها التشغيلية بما يسمح لإعادتها بالكامل للخدمة.
وطوال الفترة الماضية التي تصل إلى نحو عام ونصف العام استهدفت إسرائيل نحو ثلاث مرات محطة رأس كتنيب في الحديدة شمال غربي اليمن،
وركزت كثيراً خلال ذلك على محطات الطاقة التي تزود سكان صنعاء بالكهرباء، إذ طاول الاستهداف إضافة إلى محطات حزيز المركزية؛ محطة ذهبان ومحطة عصر.
وتعمل في صنعاء إلى جانب المحطات التجارية التي انتشرت كثيراً خلال الفترات الماضية، نحو أربع محطات كهربائية عامة أهمها؛ محطة حزيز المركزية نحو 36 ميغاواط التي تغطي معظم المناطق الواقعة جنوبي صنعاء، وذهبان التي تصل قدرتها إلى نحو 20 ميغاواط،
إضافة إلى محطة القاع، ومحطة عصر التحويلية وهي خارج الخدمة حالياً، إذ عملت سلطة صنعاء في العام 2020، على إعادة تشغيل هذه المحطات العامة وإعادتها للخدمة، وكذا المحطات العاملة في الحديدة؛ "رأس كتنيب" و"الحالي".
في السياق، يعاني كثير من سكان صنعاء جراء الاستهداف المتكرّر لمحطات الكهرباء وخروجها عن الخدمة لفترات متفاوتة، قبل أن تجري إعادة تشغيلها ومن ثم تتعرض للاستهداف مرة أخرى كما يحصل مع محطة حزيز المركزية التي استهدافها في 24 أغسطس الماضي،
وهو الاستهداف السادس منذ عام ونصف العام الذي تتعرض له المحطة التي تغذي جزءاً كبيراً من مناطق العاصمة صنعاء بالكهرباء،
إذ تعرضت للقصف مرتين نهاية العام 2024، إضافة إلى استهدافها مرة أخرى في 8 يناير/ كانون الثاني 2025، كما تعرضت للقصف في 6 مايو/ أيار الماضي، وعاد العدوان الإسرائيلي ليجدد قصفه للمحطة الكهربائية المركزية في 17 أغسطس الماضي.
يؤكد وديع سالم وهو مهندس كهربائي عدم وجود أي مبرّر لاستهداف منشأة مدنية تخدم الناس، وتغذي جزءاً كبيراً من المناطق بالكهرباء في ظل ظروف صعبة وحرجة يمرّ بها اليمن،
إذ تعتبر الكهرباء من أكبر الأزمات التي يعاني منها المواطنون، خاصة في عدن ومناطق الحكومة التي تغرق بالعتمة أغلب فترات اليوم. وتضم محطة حزيز المركزية نحو ستّة محولات تغطي أكثر من تسعة أحياء، وسبعة شوارع،
إذ يشير سالم إلى أن ضرب هذه المنشآت يستهدف تعطيلها وإخراجها عن الخدمة، إذ يتركز غالباً على خزانات الوقود، ومحولات الكهرباء وهو ما يؤدي إلى خروج المحطات عن الخدمة، الأمر الذي يتطلب القيام بعمل فني وهندسي كبير لإصلاحها وإعادتها للعمل.
بحسب مصادر مطلعة في صنعاء، تدرس الجهات المختصة في وزارة الكهرباء والطاقة والمؤسسة العامة للكهرباء، سبل وضع الحلول والمعالجات الطارئة للمنشآت التابعة لمؤسسة الكهرباء العامة ومناطقها، خاصة ما يتعلق بالبدائل والخيارات الطارئة لتجاوز تحديات العدوان الإسرائيلي واستمرار تقديم خدمات الكهرباء،
إذ يتضمن ذلك تنفيذ خطة الطوارئ المعدة خلال الأيام الماضية، والإجراءات المتخذة في تجاوز الصعوبات، والإشكاليات الناتجة عن تكرار الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد لمحطات الكهرباء لإخراجها عن الخدمة وإغراق المدن اليمنية بالظلام.
المحلل الاقتصادي نبيل الشرعبي، يوضح في هذا الخصوص ، أن تبعات استهداف مثل هذه المنشآت لا تقاس بمدى الضرر الذي حدث لها حتى في حال كانت نسبة عالية، فهي في الأخير تندرج ضمن توصيف خسارة مادية ملموسة تستقطع من إجمالي كلفة الإنشاء،
إضافة إلى تبعات الاستهداف المترتبة عن توقف النشاط، وعلى الاقتصاد الوطني عامّة،
مشيراً إلى أن قياس التبعات يكون وفقاً لمدى سرعة أو تباطؤ إصلاح الأضرار، إذ ستكون الأضرار مكلفة إن امتدت فترة الضرر دون معالجة وإصلاح، وهنا قد تضطر الجهات المختصّة على سبيل المثال إلى الاستعانة بالقطاع الخاص وفتح المجال للاستثمار التجاري المكلف.
وتتجه الجهات المختصة بحسب اجتماع عُقِد في 24 أغسطس الماضي، بين غرفة أمانة العاصمة صنعاء التجارية والصناعية ووزارة الكهرباء والطاقة إلى توسيع المجال للقطاع الخاص لاستغلال الفرص المتاحة للقطاع للاستثمار في قطاع الكهرباء،
خاصة الاستثمار في قطاع الطاقة المتجدّدة سواء بالرياح، أو الطاقة الشمسية، وبطاريات تخزين الطاقة الليثيوم أو توفير الوقود اللازم لمحطات التوليد،
إذ يبدي القطاع الخاص استعداده التعاون والتنسيق في ما يتعلق ببناء محطات مركزية للنهوض بقطاع الكهربائي الحكومي، والمجالات التي يمكن للقطاع الخاص الاستثمار فيها.
ويرى مراقبون أن الضربات الحالية والمتخبّطة على منشآت مدنية يعكس القلق الذي أحدثته الضربات الأخيرة التي قام بها الحوثيين تجاه إسرائيل نصرةً للشعب الفلسطيني في قطاع غزة،
ومن ذلك إطلاق صاروخ انشطاري كان بمثابة مفاجئة صادمة لإسرائيل المتضرّرة كثيراً اقتصادياً من ضربات الحوثيين طوال الفترة الماضية، والتي تطاول مطار بن غوريون، وموانئ وأهدافاً أخرى.
ويقول الباحث الاقتصادي في صنعاء رشيد الحداد، إنّ إسرائيل تعاني من تخبط وإفلاس، والذي يلاحظ من تكرار قصف هذه المنشآت المدنية مراراً وتكرراً، ولا هدف لها سوى إلحاق الأذى بالمدنيين،
مشيراً إلى أن استهداف الأعيان المدنية مرة أخرى، كالكهرباء والخدمات العامة التي تعتبر ممتلكات عامة ومدنية؛ يؤكد أن العدوان الإسرائيلي لا يتملك أيّ أهداف.
ويعاني كثير من المواطنين جراء تراجع الكبير في القدرات التشغيلية لميناء الحديدة، وتوقف الرحلات من مطار صنعاء الدولي بسبب العدوان الإسرائيلي، كما تطاول المعاناة شريحة واسعة من المواطنين المتضرّرين من استهداف محطات الكهرباء.
ويعتبر قانونيون وحقوقيون استهداف الأعيان المدنية مثل محطات الكهرباء، انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي، ومبادئه التي تجرّم استهداف المدنيين، والأعيان المدنية، خاصّة ما يتعلق بالقواعد المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي، وحقوق الإنسان. وتستهجن صنعاء صمت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، إزاء استمرار العدوان الإسرائيلي في استهداف المنشآت المدنية وذات الطابع الخدمي، وذات الصلة بحياة الإنسان اليومية، وتكرار الاعتداءات على المدنيين والبنية التحتية المدنية في اليمن.
محمد راجح