
خروقات الاحتلال.. هل تنذر بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
الرأي الثالث - وكالات
منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ، لم تتوقف خروقات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما يهدد بانهيار الهدنة وعودة التصعيد العسكري في أي لحظة.
رغم الآمال التي علّقها الفلسطينيون على الاتفاق لوقف نزيف الدم وإتاحة الفرصة لإدخال المساعدات الإنسانية، فإن الواقع الميداني يشير إلى أن الهدنة ما زالت هشّة للغاية، خاصة مع استمرار القصف الإسرائيلي.
بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تؤكد تجاوز عدد الخروقات الإسرائيلية منذ بدء وقف إطلاق النار 350 خرقاً، شملت غارات جوية وقصفاً مدفعياً وإطلاق نار مباشر على مناطق متفرقة من القطاع.
وبيّن المكتب أن الاحتلال نفّذ هذه الخروقات باستخدام آليات متمركزة على أطراف الأحياء السكنية، ورافعات إلكترونية مزوّدة بأجهزة استشعار واستهداف عن بُعد،
إضافة إلى الطائرات المسيّرة (الكوادكابتر) التي تحلّق فوق المناطق السكنية وتنفّذ عمليات إطلاق نار واستهداف مباشر للمدنيين.
وأوضح أن هذه الخروقات تمّ رصدها في جميع محافظات قطاع غزة دون استثناء، ما يؤكد عدم التزام الاحتلال بوقف العدوان واستمراره في سياسة القتل والإرهاب.
وأسفرت هذه الاعتداءات عن استشهاد عشرات المدنيين، بينهم أطفال وصحفيون، بالإضافة إلى تدمير منازل ومنشآت مدنية في شمال ووسط غزة،
كما استمر الاحتلال في منع دخول المساعدات والمعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض، رغم أن ذلك يُعدّ أحد البنود الأساسية في الاتفاق.
تصعيد خطير
آخر أشكال عودة التصعيد هو ما حدث في رفح جنوب قطاع غزة صباح الأحد ١٩ أكتوبر الجاري، بعد تدخل قوات الاحتلال لحماية ميليشيات ياسر أبو شباب بعد تعامل المقاومة معها.
ونفّذ طيران الاحتلال سلسلة من الغارات على مدينة رفح بعد الحادث، مع إطلاق نار مستمر، فيما أجرى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه، يسرائيل كاتس، تقييماً أمنياً حول ما حدث، ليقرّروا بعدها تنفيذ سلسلة غارات على قطاع غزة.
عقب الاجتماع، هاجم جيش الاحتلال أهدافاً مدنية في قطاع غزة، تسبّبت في استشهاد خمسة فلسطينيين وإصابة آخرين بجروح.
سارعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى التأكيد على التزامها باتفاق وقف إطلاق النار، مشددة على أن الاحتلال هو من يواصل خرق الاتفاق واختلاق الذرائع الواهية لتبرير جرائمه.
وقال عضو المكتب السياسي عزّت الرشق في تصريح مقتضب: إن "محاولات نتنياهو التنصّل والتنكر من التزاماته تأتي تحت ضغط ائتلافه الإرهابي المتطرّف، في محاولة للهروب من مسؤولياته أمام الوسطاء والضامنين".
يرى محلّلون سياسيون أن تكرار هذه الانتهاكات يشكّل خطراً حقيقياً على استمرارية وقف إطلاق النار، خاصة في ظل غياب آلية رقابة دولية واضحة لمتابعة الالتزام ببنود الاتفاق.
كذلك، أكدت كتائب "القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، التزامها الكامل بتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه، وفي مقدمته وقف إطلاق النار في جميع مناطق قطاع غزة، ولا علم لها بأيّ أحداث أو اشتباكات تجري في منطقة رفح.
وذكرت في تصريح لها: "إن هذه مناطق حمراء تقع تحت سيطرة الاحتلال، والاتصال مقطوع بمن تبقّى من مجموعاتنا هناك منذ عودة الحرب في مارس من العام الجاري".
وأضافت: "لا معلومات لدينا إن كانوا قد استُشهدوا أم لا يزالون على قيد الحياة منذ ذلك التاريخ، وعليه فلا علاقة لنا بأي أحداث تقع في تلك المناطق، ولا يمكننا التواصل مع أيّ من مجاهدينا هناك إن كان لا يزال أحدٌ منهم على قيد الحياة".
فقدان للثقة
يؤكد الخبير العسكري يوسف الشرقاوي أن كل خرق ميداني في قطاع غزة يولّد حالة جديدة من فقدان الثقة بين الأطراف، ما يجعل الهدنة الراهنة عرضة للانهيار في أي لحظة.
وقال الشرقاوي : إن "التباطؤ في تنفيذ البنود الإنسانية، مثل فتح المعابر وإدخال المساعدات والإفراج عن الأسرى، يفاقم هشاشة الاتفاق ويعمّق معاناة المدنيين داخل القطاع".
وأوضح أن وقف إطلاق النار الحالي جاء نتيجة جهود وساطة إقليمية ودولية شاركت فيها مصر وقطر والأمم المتحدة، والهدف الأساسي هو تثبيت وقف إطلاق النار وتهيئة الأجواء لإعادة الإعمار.
وشدّد على أن استمرار الانتهاكات الميدانية من جانب الاحتلال الإسرائيلي يقوّض هذه الجهود ويهدد بإعادة المنطقة إلى مربع العنف والتصعيد من جديد.
وتابع الخبير العسكري: إن "الأوضاع الإنسانية في غزة وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من التدهور بسبب استمرار الحصار ونقص المواد الأساسية"،
محذراً من أن أي انهيار للهدنة سيضاعف الكارثة الإنسانية ويزيد معاناة السكان المدنيين الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية منذ بداية العدوان.
وأضاف الشرقاوي أن استمرار الخروقات يمثّل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي، مطالباً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لضمان حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
ويلفت إلى أن غياب آلية الرقابة من قبل أي جهة دولية سيزيد من الخروقات خلال الفترة المقبلة، "لذلك فإن وجود فرق مراقبة دولية مستقلة داخل قطاع غزة سيسمح بتوثيق الخروقات ميدانياً ووضع آلية واضحة للمساءلة تضمن احترام الهدنة وتنفيذ بنودها".
وأشار إلى أن التهدئة في غزة تبقى مهددة ما لم يتم وقف الانتهاكات فوراً والالتزام الجاد بالاتفاق، معتبراً أن غياب الإرادة السياسية لدى بعض الأطراف قد يعيد المنطقة إلى دائرة الصراع من جديد.
وأكد ، أن "أهالي غزة بحاجة إلى هدنة حقيقية لا شكلية، تمكّنهم من التقاط أنفاسهم واستعادة الحد الأدنى من الحياة الكريمة بعد شهور طويلة من الحرب والدمار".