زواج القاصرات يتراجع في العالم ويتمدد في اليمن
إذا كان الزواج بصفة عامة يشبع حاجات اجتماعية وبيولوجية واقتصادية وتربوية، فإن القاصرات في اليمن لا يمكن فإن يكن في قائمة الضحايا بعد زواجهن قسراً، إذ غالباً ما تنتهي قصصهن على نحو مأسوي يعشن مرارته ببطء طوال سنوات العمر، مما يفتح نافذة واسعة من التساؤلات حول هذه الظاهرة والأسباب التي أدت إلى انتعاشها.
تتساءل لمياء العزي (20 سنة) وهي من ريف تعز تزوجت في سن الـ13 سنة برجل أربعيني قائلة "هل يعلم أبي كم عانيت كفتاة قاصرة من هذا الزواج حتى يدفع بأختي الصغرى إلى نفس الحلبة والمصير"؟
وتضيف في حديثها "زواجي المبكر جعلني أعاني على كل الصعد، دفعت الثمن من صحتي ونال القلق من نفسيتي المحطمة أصلاً، وأصبحت حينها لا أقوى على مواجهة المشكلات والانتقادات التي توجه لي من زوجي".وذكرت المتحدثة أنها كانت تتمنى الموت أحياناً، وذلك لأن زوجها الذي يكبرها بنحو ثلاثة عقود كان يرى أنه "تزوج بفتاة فاشلة لا تقوى على خدمته ومجاراة رغباته".
وأرجعت العزي أسباب زواجها المبكر من رجل أربعيني إلى الحالة الاقتصادية والمعيشية القاسية التي كانت تعيشها أسرتها، فبعد توقف راتب والدها الذي يعمل مدرساً ساءت الظروف كثيراً داخل البيت، وبمجرد أن تقدم لزواجها شخص وافق والدها على زواجها منه، وفرض الأمر عليها،
وأضافت في حديثها "كنت الزوجة الثانية لذلك الشخص الذي يكبرني بـ27 سنة"، هكذا قالت، وتتمنى ألا تتكرر تجربتها المرة مع أي فتاة أخرى.
إحصاءات وأرقام
وانتعشت ظاهرة زواج القاصرات أو الصغيرات أخيراً في البلاد بسبب الحرب خصوصاً في الأرياف والمناطق النائية، وتصل إلى ما نسبته 70 في المئة، وفي المدن تبلغ 35 في المئة.وذكرت دراسات اجتماعية ميدانية أن "متوسط العمر عند الزواج الأول للنساء في اليمن يراوح حالياً ما بين تسع و15 سنة وهو مؤشر يوضح بجلاء مدى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع اليمني". وفقاً لإحصاءات سابقة صادرة عن الأمم المتحدة فإن 52 في المئة من الفتيات اليمنيات يتزوجن دون سن الـ18 سنة، و14 في المئة منهن قبل سن الـ15 سنة".
وتفيد دراسات سابقة تستند إلى إحصاءات النوع الاجتماعي أن "نسبة المتزوجات من سن (10- 19 سنة) تصل إلى 75 في المئة من إجمالي النساء المتزوجات. في حين تصل نسبة المتزوجات دون سن 15 سنة إلى 48 في المئة من إجمالي النساء في الفئة العمرية من (15- 19 سنة)". وذكر تقرير وضع المرأة في اليمن أن "37 في المئة من النساء في الفئة العمرية (20- 24 سنة)، تزوجن قبل سن الـ(18 سنة)، وأن الزواج المبكر للفتيات يؤدي إلى الخلاف والعنف وحدوث الانحراف".
مصير غير سعيد
وأشارت الدراسة إلى أن "الصغيرات لا يعرفن معنى الزواج والحياة الزوجية وقد تتحول الحياة الزوجية إلى عراكات وخلافات وعنف مستديم يلوث فضاء الأسرة ويلحق الضرر بمؤسسة الزواج".
وأوضحت الاختصاصية النفسية زينب الأسدي أن ثالوث الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية يترتب عليه مصير غير سعيد للمتزوجات القاصرات.
ومع ذلك لا بد من التوعية بأخطار ذلك واتخاذ إجراءات لمنع حدوث ذلك من بينها تشجيع الفتيات على تحقيق طموحاتهن وتوفير فرص التعليم والوعي الصحي.
وتضيف الأسدي ، أن القاصرات يعانين الإجهاد النفسي والاكتئاب والقلق، وصعوبة في التأقلم مع المسؤوليات الزوجية والأسرية، ويتعرضن للعنف الأسري.
وأردفت في حديثها، "يترتب على الزواج المبكر أخطار صحية منها أخطار الولادة في سن مبكرة والولادة المتكررة من دون فاصل زمني محسوب وفقر الدم وصعوبة الحمل والإجهاض المتكرر، وارتفاع معدلات الوفاة للأم والطفل وصدمة الليلة الأولى وتمزق الأعضاء التناسلية غير المؤهلة بيولوجياً على الممارسات الجنسية المبكرة".
في السياق تشير البيانات الرسمية السابقة إلى أن اليمن يشهد ثماني حالات وفاة يومياً لقاصرات، بسبب الزواج المبكر والحمل والولادة. إلى ذلك، فإن فرص الالتحاق بالتعليم تكون ضئيلة وتعاني الزوجات القاصرات من الفقر والاعتماد على الآخرين بصورة كبيرة، وهو ما يعد من مؤشرات الأضرار الاجتماعية التي تعانيها القاصرة عند زواجها.
وضع القانون
يقول المحامي اليمني عبدالمجيد صبره، إن القانون اليمني ساعد على تعزيز ظاهرة زواج القاصرات بصيغ قانونية تجيز ذلك، ولم يضع حداً معيناً بصورة جازمة وقاطعة لسن الزواج، وإنما يستنتج البعض من نص المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية اليمني أن الحد الأدنى لسن الزواج هو 15 سنة. لكن لا يوجد نص يمنع بصورة قطعية الزواج تحت سن 15 سنة".
ويضيف المتحدث نفسه، "نجد في الواقع حصول حالات زواج تحت عمر (15 سنة) كما لا يوجد نص يعاقب ولي أمر الطفلة إذا زوجها تحت هذه السن، ولم يعرف القانون الصغيرة بالعمر وإنما بنص عام لا يوجد أي ضابط لتحديده والعبرة في نص المادة (15) من القانون اليمني أنها متى كانت صالحه للوطء يتم تزويجها.ويعرف قانون حقوق الطفل، هذا الصنف بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الـ(18سنة)"، وهو نص عام للذكر والأنثى. وتنص المادة الـ(15) من القانون اليمني على أن سن الرشد هي 15 سنة".
ولفت المحامي إلى أن "القانون اليمني حدد سن المساءلة الجنائية الكاملة بسن (18 سنة)، كما حظر تجنيد أي شخص تحت هذه السن. ويجب أن يقاس سن الزواج خصوصاً للإناث بهذه السن لأن الغالب بالنسبة إلى الأطفال الذكور إذا تم تزويجهم تحت سن 18 سنة أن يتم تزويجهم بفتاة نفس العمر أو أقل، لكن القاصرة يتم تزويجها تحت هذه السن أحياناً بذكور يبلغ عمرهم 40 أو 50 سنة".
مشكلة اجتماعية
يرى المتخصص في علم الاجتماع في جامعة عدن سمير الشميري أن زواج القاصرات ليست مشكلة قانونية محضة، ولكنها مشكلة اجتماعية بامتياز على همزة وصل قوية بالوعي الاجتماعي والفقر وانعدام المعايش والفساد والفوضى والثقافة والعادات والأعراف والقيم الدينية والاجتماعية المتوارثة،
وعلى علاقة بالبنية الاجتماعية والمجتمع التقليدي وعلى صلة بالملكية الأسرية والعائلية وبقوة العادة المتجذرة في المجتمع اليمني، إذ إن قوة العادة تفوق قوة القانون وعلى عروة وثقى بالجهل والعوز والمرض والجشع وحب المال والعقلية الصلدة المتكلسة".
من جهته يرى الداعية اليمني محمد الشرعبي في حديثه أن "موضوع زواج القاصرات يرجع إلى أهل البلد ذاته ويختلف من مكان إلى آخر. فإذا كانت الفتاة عمرها 15 سنة أو17 سنة، وبنيتها الجسدية والنفسية مكتملة وتتمتع بقوة جسدية ونضوج في الفكر بمعنى فلا مانع في تزويجها. أما إذا كانت أصغر من عمر الـ15 سنة ولم تنضج فكرياً وجسدياً وجنسياً فلا يجوز شرعاً زواجها، وجعل الشرع لرأيها اعتباراً ولها الحق في رد الزواج".
وبحسب حديث سابق لوزير الأوقاف الدكتور أحمد عطية، فإن الرأي الشرعي في شأن زواج القاصرات، يستند إلى أهل الاختصاص في العلم التطبيقي كالطب البشري وأطباء النفس، والبحث في الأضرار التي قد يتسبب فيها الزواج المبكر، لأن من قواعد الشرع أنه لا ضرر ولا ضرار من ثم يتم الحكم بناء على ذلك".
تغيير القانون
ولإيقاف ظاهرة زواج القاصرات أو الحد منها يؤكد متخصصون اجتماعيون أن ذلك لن يكون إلا بإيقاف الحرب المدمرة في اليمن وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتفعيل مؤسسات الضبط الاجتماعي، وتفعيل القوانين والأنظمة، وإيجاد صيغ قانونية واضحة تمنع زواج القاصرات، وتغيير المادة رقم (15) من قانون الأحوال الشخصية في اليمن التي تجيز زواج القاصرات، وإنشاء مراكز تخصصية لمعالجة مشكلات زواج القاصرات.
محمد الخطيب ، صحافي يمني