
رحلة الصحفي المياحي في سجون الحوثيين من الاختطاف والاخفاء القسري إلى الحكم الجائر
في منتصف سبتمبر 2024، أقدمت ميليشيا الحوثي على اختطاف الصحفي والكاتب اليمني محمد دبوان المياحي، ضمن حملة اعتقالات ممنهجة استهدفت المئات من اليمنيين من مختلف الأعمار والانتماءات في مناطق سيطرتها.
جاء ذلك بالتزامن مع أيام الذكرى الـ 62 لثورة 26 سبتمبر المجيدة، واحتفالات الحوثيين بذكرى يوم انقلابهم، وكذلك عقب أيام من احتفالهم بالمولد النبوي.
حتى الآن، أمضى المياحي أكثر من 350 يوماً في سجون الحوثيين بصنعاء، بعيداً عن أسرته وأهله، بسبب مقالاته ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنذ صدور الحكم الجائر بحقه في مايو الماضي، خفتت الأصوات المطالبة بالإفراج عنه، إلا ما ندر.
وقال محامي المياحي، عمار ياسر، إن موكله محتجز حالياً في سجن احتياطي هبرة، وأن زياراته لمحمد تتم أسبوعياً، بينما يزوره أهله يومياً، مشيراً إلى أنه أحياناً يُمنع من الزيارة.
وأشار المحامي إلى أنهم يسعون للتوصل إلى صفقة تُفرج عن محمد (بعد عام من اختطافه)، مقابل التنازل عن استئناف الحكم الابتدائي، مشيراً إلى أن مفاوضات مستمرة عبر وسطاء على أمل أن يتم ذلك خلال الأيام القادمة.
منشور المولد
قبل أربعة أيام من اختطافه، وتحديداً في 15 سبتمبر 2024، كتب المياحي على صفحته في "فيسبوك" عقب عودته من تظاهرة في ميدان السبعين دعا إليها الحوثيون بمناسبة المولد النبوي: "حزين لمآل هذا الشعب. حزين، مصدوم وغاضب... لا يجوز السماح ولو للحظة واحدة لهذا المشروع المخيف بأن يُمرر ضلالته على هذا الشعب المسكين.
أن يقف رجل بضحالة عبدالملك ليخطب في حشود يمنية في السبعين، هذا المشهد يجب أن يكون مصدر خجل عميق لكل عقل في هذه البلاد".
يرجّح نشطاء أن هذا المنشور كان السبب المباشر لاختطافه، فيما رأى آخرون أن مراقبة الحوثيين له كانت جارية منذ أشهر.
عُرف المياحي، بانتقاده الشديد لسلوك الجماعة الحوثية ومشروعها الطائفي، وقوبلت عملية اختطافه باستهجان واسع على المستويات الشعبية والرسمية والحقوقية.
إخفاء قسري
عقب اقتحام منزله ونهب محتوياته، اختطفته الميليشيا من وسط صنعاء واقتادته إلى جهة مجهولة، وظل المياحي مخفياً قسراً أكثر من 40 يوماً، قبل أن تسمح له في مطلع نوفمبر بالاتصال بزوجته.
وخلال تلك الفترة، مارست الأجهزة الحوثية المماطلة في الكشف عن مكان احتجازه، ورفضت تمكين محاميه من التواصل معه.
وفي ديسمبر 2024، منح مرصد الحريات الإعلامية الصحفي المياحي جائزة الشجاعة الصحفية تقديرًا لكتاباته الجريئة التي سلطت الضوء على القضايا الإنسانية والاجتماعية.
انتهاكات وإجراءات انتقامية
أكدت نقابة الصحفيين اليمنيين بشكل متكرر أن المياحي تعرض لانتهاكات متكررة، وصرّح المحامي عبدالمجيد صبرة أن احتجازه دون محاكمة لأكثر من 100 يوم يمثل خرقاً صارخاً لحقوقه الدستورية، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير وحقه في الحرية والتنقل.
بدورها، قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن ما تعرض له المياحي يمثل انتهاكاً جسيماً للحقوق الدستورية والقانونية، خاصة بالنسبة للصحفيين.
وأشارت إلى أن ملفه شهد تجاوزات قانونية واضحة، أبرزها رفض وكيل النيابة الجزائية المتخصصة إحالة قضيته إلى نيابة الصحافة والمطبوعات، رغم عدم اختصاص النيابة الجزائية في قضايا الصحفيين، وذلك قبل أن يتعرض لمحاكمات سياسية هزلية.
مراراً، تتهم منظمات حقوقية المحاكم الحوثية بانعدام استقلالية القضاء، ويرفض الكثير من المحامين الترافع أمام هذه المحاكم نظراً لما وصفوه بالانتهاكات الجسيمة لحقوق المتهمين، وعدم جدوى الإجراءات القانونية.
محاكمة حوثية هزلية
3 يناير 2025: مثُل المياحي لأول مرة أمام النيابة الجزائية المتخصصة بعد 105 أيام من الاختطاف، متمسكاً بحقه في إحالة قضيته إلى نيابة الصحافة والمطبوعات.
ورغم إعلان النيابة الحوثية تحويله إليها، إلا أن ذلك لم يتم، وأصرت الميليشيا على إجراء المحاكمة في الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، وهو ما تم في ثلاث جلسات من المحاكمة، جاءت بعد 9 أشهر من الانتظار.
11 فبراير 2025: مددت ميليشيا الحوثي حبسه 45 يوماً إضافياً في خطوة اعتبرها محاموه انتهاكاً لحقوقه القانونية.
16 و17 فبراير 2025: كشفت مصادر حقوقية عن نية الحوثيين محاكمته أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب بدلاً من محكمة الصحافة، رغم عدم اختصاصها بقضايا العمل الصحفي.
29 أبريل 2025: نقلته الميليشيا من سجن استخبارات الشرطة إلى سجن احتياطي هبرة المعروف بإجراءاته القاسية، تزامناً مع صدور قرار اتهام جديد من النيابة الجزائية يطالب بمحاكمته في قضايا الإرهاب، رغم قرارات سابقة بعدم اختصاصها.
2 مايو 2025: وجهت النيابة اتهامات له بـ"نشر أخبار كاذبة ومغرضة" عبر وسائل إعلام محلية ودولية، و"تكدير السلم العام"، وطالبت بأقصى العقوبات.
12 مايو 2025: انعقاد أول جلسة محاكمة دون إحضار المياحي من السجن، ما دفع فريق الدفاع لتقديم دفع بعدم اختصاص المحكمة.
19 مايو 2025: حضر المياحي الجلسة الثانية مكبّل اليدين، وأنكر التهم، مؤكداً أنه "كاتب وأديب"، وأن تصريحاته حُرّفت وكأنها لشخص آخر، ووصف محاميه لائحة الاتهام بأنها فضفاضة وتحمله مسؤولية "مشاكل البلاد كافة".
24 مايو 2025: أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة الحوثية حكماً بإدانة المياحي وسجنه لمدة عام ونصف، مع إلزامه بتعهد خطي وغرامة قدرها خمسة ملايين ريال، وذلك في ثالث جلسة له.
وصفت نقابة الصحفيين اليمنيين الحكم بأنه امتداد لانتهاكات ممنهجة لحرية الصحافة، وأدانت استخدام القضاء كأداة للقمع، مشيرة إلى أن القاضي قرأ منطوق الحكم من هاتف محمول داخل قاعة المحكمة.
وفي 13 يونيو الفائت، قال المحامي عبدالمجيد صبرة إن الصحفي المياحي اتصل به حوالي الساعة التاسعة مساءً، وكانت معنوياته صلبة وقوية كقلمه وحرفه، وقد مرّ على اعتقاله ما يقارب عشرة أشهر بسبب عمله الصحفي وآرائه.
وأرفق صبرة نسخة من "منطوق الحكم الجائر الصادر عن المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة (محكمة أمن الدولة)، والذي قضى بإدانته بالتهمة المنسوبة إليه بقرار الاتهام، وحبسه سنة ونصف، ووضعه تحت رقابة الشرطة لمدة ثلاث سنوات بعد انقضاء عقوبة الحبس، ومصادرة مضبوطاته، وإلزامه بدفع مبلغ خمسة ملايين ريال"، حسب ما ذكره في المنشور.
المصدر أونلاين