مفاوضات محتملة بين أوكرانيا وروسيا.. هل تنجح وساطة خليجية أو أوروبية؟
الرأي الثالث - وكالات
تسعى أوكرانيا إلى فتح مسارات دبلوماسية جديدة قد تشمل وساطة خليجية، في ظل بحث المجتمع الدولي عن مخرج للحرب المستمرة مع روسيا.
ويكتسب هذا التوجه أهمية خاصة، إذ يعكس تنامي الثقة بالدور السياسي والدبلوماسي لدول الخليج، التي باتت خلال السنوات الأخيرة ساحة محورية للحوار وحل النزاعات.
وبينما تتواصل الضغوط الغربية على موسكو وتتزايد الدعوات لفتح قنوات تفاوض، يظل التساؤل قائماً حول إمكانية أن تقود وساطة خليجية أو أوروبية إلى إنهاء النزاع.
وساطة مطروحة
أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 26 أغسطس 2025، أن كييف تجري اتصالات مع دول خليجية وتركيا وأوروبا لبحث استضافة محتملة لأي مفاوضات مع روسيا، مؤكداً أن بلاده تعمل على تهيئة الظروف قدر الإمكان لإنهاء الحرب.
وتأتي هذه التصريحات في وقت يتطلع فيه الأوكرانيون إلى دور أكبر للوسطاء الإقليميين والدوليين؛ على أمل كسر الجمود الذي يطبع مسار الحرب منذ أشهر.
غير أن الموقف الروسي لا يزال متحفظاً، إذ أوضح وزير الخارجية سيرغي لافروف أنه لم يتم إعداد جدول أعمال لأي لقاء مع كييف، فيما اتهم زيلينسكي موسكو بتجنب "المفاوضات الحقيقية".
في المقابل، يعوّل الجانب الأوكراني على تنسيق وثيق مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لضمان ممارسة ضغوط فعّالة على موسكو، وهو ما أشار إليه زيلينسكي عقب لقائه المبعوث الأمريكي كيث كيلوغ في كييف.
وبين دعوة أوكرانيا إلى الحوار وتشدد الموقف الروسي، يظل نجاح أي مبادرة مرهوناً بقدرة الوسطاء ـ وفي مقدمتهم دول الخليج ـ على توفير مظلة تفاوضية مقبولة للطرفين، مدعومة بضغط غربي متواصل يحد من سياسة المماطلة الروسية.
فرص وعقبات
يقول الباحث الروسي ديميتري بريجع، إن الحرب الروسية الأوكرانية تحولت إلى مواجهة شاملة بين موسكو والغرب، ويرى أن هذا الواقع يعقّد أي نقاش حول الوساطة.
ويضيف أن الدول الأوروبية التي دعمت أوكرانيا لم تعد تُعتبر طرفاً محايداً من وجهة نظر موسكو، مما يجعل أي وساطة أوروبية مشكوكاً في نزاهتها بالنسبة لروسيا.
وأوضح بريجع أن دول الخليج، ورغم تحالفها الاستراتيجي مع الغرب، نجحت في الحفاظ على علاقة قوية مع موسكو، مبيناً أن هذا التوازن يمنح دول الخليج بيئة مناسبة للوساطة، فهي لا تُعتبر عدواً لروسيا، بل شريكاً يمكنه تقديم حوافز للطرفين.
وأشار إلى أن الوساطة الخليجية تمتلك مقومات أساسية للنجاح، منها الحياد النسبي، والقدرة المالية والاقتصادية، والوزن السياسي المتنامي، بالإضافة إلى الدبلوماسية الإنسانية التي عززت الثقة في دورها بعد نجاحها في صفقات تبادل الأسرى.
ويلفت بريجع إلى أن روسيا، "رغم ثوابتها التفاوضية، معنية بإيجاد قنوات للحوار دون أن تبدو وكأنها رضخت للضغوط الغربية"، معتبراً الوساطة الخليجية "تمنح موسكو فرصة للدخول في مسارات تفاوضية دون أن تبدو وكأنها استجابت للضغوط الأمريكية".
وأكد أن الوساطات الخليجية حققت نجاحات في ملف تبادل الأسرى، مما بنى رصيداً من الثقة لدى الأطراف المتحاربة، وجعل من توسيع نطاق الوساطة من المجال الإنساني إلى المجال السياسي أمراً محتملاً.
كما يعتقد بريجع أن هناك عقبات حقيقية أمام أي وساطة، مثل غياب الإرادة السياسية الكاملة لدى الطرفين، وضغوط الغرب على أوكرانيا، وتعارض جداول الأعمال، واستغلال بعض القوى للوساطة لخدمة أجنداتها.
ويستنتج أن الوساطة الخليجية تمثل "فرصة واقعية لكنها محدودة حالياً"، فهي قادرة على إدارة الملفات الإنسانية وتهيئة الأجواء للحوار، لكنها غير قادرة وحدها على فرض تسوية شاملة ما لم يحدث تحول جذري في المواقف الدولية.
نجاحات سابقة
بدوره يؤكد المحلل الاستراتيجي وخبير الشؤون الإقليمية والدولية محمد عيد الشتلي، أن الوساطات الخليجية قد نجحت في حل العديد من القضايا بين موسكو وكييف، خاصة في تبادل الأسرى.
ويضيف أن هذا النجاح يعود إلى ما تتميز به الوساطة الخليجية من مصداقية وحياد، وهو ما عزز ثقة الطرفين في الاستجابة لهذه الجهود.
وأوضح الشتلي أن الضغط الأمريكي والغربي لا يمكن أن يغير من موقف موسكو تجاه المفاوضات؛ "لأن هذين الطرفين جزء أساسي من المشكلة"،
لافتاً إلى أن الدور الأمريكي لا يمكن أن يشكل أي ضغط مباشر على روسيا، حتى مع رغبة الرئيس الأمريكي ترامب في أن يبدو محايداً.
ويرى أن النجاحات السابقة للوساطات الخليجية، خاصة في المبادرات الإنسانية، ستلعب دوراً مهماً في التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين موسكو وكييف.
ويعزو المحلل الاستراتيجي ذلك إلى ثقة الروس والأوكرانيين في الوساطة الخليجية، مما يدفع بالمفاوضات المباشرة نحو التقدم.
وأشار الشتلي إلى أن الموقف الأوروبي قد يشكل عقبة رئيسية أمام أي جولة وساطة خليجية، "نظراً لعدم وضوح هذا الموقف في المفاوضات"؛ لكنه يضيف أن موقف الرئيس الأمريكي قد يمثل عامل ضغط على الأوروبيين، ويدفع بالمفاوضات نحو التقدم.
دور خليجي فاعل
لعبت دول الخليج أدواراً بارزة في مسار الحرب الروسية–الأوكرانية، مستندة إلى سياسة الحياد الإيجابي التي منحتها قبولاً من موسكو وكييف على حد سواء.
وقد توزعت هذه الجهود بين الوساطات السياسية والمبادرات الإنسانية وتبادل الأسرى، ما جعل المنطقة حاضرة في واحدة من أعقد أزمات العالم المعاصر.
وتصدرت السعودية مشهد الوساطات عبر استضافة جولات تفاوضية ومؤتمرات دولية، ففي مارس 2025 جمعت جدة لقاءً بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية أندريه يرمك لمتابعة المسار التفاوضي، بعد اجتماعات تحضيرية أمريكية–روسية احتضنتها العاصمة الرياض في فبراير من العام نفسه.
كما برزت المملكة في الجانب الإنساني؛ ففي سبتمبر 2022 سهّلت إطلاق سراح عشرة مقاتلين أجانب محتجزين لدى روسيا، وفي أكتوبر من العام نفسه قدّمت حزمة مساعدات إنسانية ضخمة بقيمة 400 مليون دولار.
لاحقاً، في سبتمبر 2024، سلّمت 25 سيارة إسعاف ومساعدات طبية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، ما عزز صورتها كطرف وسيط وفاعل إنساني.
وبدورها لعبت أبوظبي دور الوسيط الأبرز في عمليات تبادل الأسرى، إذ أعلنت في 24 أغسطس 2025 عن نجاح جهود وساطة جديدة قامت بها بين روسيا وأوكرانيا تكللت بإنجاز عملية تبادل شملت 146 أسيراً من الجانبين بمجموع 292 أسيراً.
ووصل العدد الإجمالي للأسرى الذين تمّ تبادلهم بين البلدين في هذه الوساطات إلى 4641 أسيراً، وبلغ مجموع الوساطات الإماراتية التي تمت خلال الأزمة 17 وساطة، بحسب الخارجية الإماراتية.
وعزز هذا المسار حضور الإمارات كضامن إنساني محل ثقة الطرفين، كما تعاونت أبوظبي مع منظمات دولية لإيصال مساعدات إنسانية عبر المنافذ الجوية والبحرية، لتخفيف تداعيات الحرب على المدنيين.
وبرزت الدوحة في الملفات الإنسانية الحساسة، خاصة إعادة الأطفال، فمنذ 2023 نجحت وساطتها في لمّ شمل نحو 100 طفل أوكراني وروسي مع ذويهم، وكان أبرزها في أبريل 2024 حين أُفرج عن 16 طفلاً أوكرانياً، تلاها تجمع 20 عائلة في الدوحة لتلقي الدعم والعلاج.
وفي يوليو 2025 أعلنت قطر عن نجاحات إضافية في هذا الملف، مؤكدة التزامها بالقانون الدولي والبعد الإنساني.
إلى جانب ذلك، خصصت قطر في يوليو 2023 حزمة مساعدات بقيمة 100 مليون دولار لدعم الصحة والتعليم وإزالة الألغام، وشاركت في مناقشات "ممر الحبوب الأسود" لضمان أمن الغذاء العالمي.
من جانبها، أسهمت سلطنة عُمان في تسهيل حوارات ثنائية منخفضة المستوى، مثل النقاشات حول الطائرات المسيّرة.
كما ساندت الكويت والبحرين المواقف الجماعية لمجلس التعاون عبر بيانات دبلوماسية، فيما تعاونت مجمل دول الخليج مع الأمم المتحدة لتأمين وصول المساعدات الغذائية والطبية، ودعمت استمرار ممرات الحبوب عبر البحر الأسود.
هذه المشاركة المتنوعة عززت الحضور الخليجي ككتلة متماسكة في واحدة من أعقد الأزمات الدولية.