"مدارس تغنّي للوطن": تعز تعيد الأغنية الوطنية إلى الواجهة
عقب انقلاب الحوثيين على الدولة في اليمن في سبتمبر/أيلول 2014، شهدت البلاد عمليةَ تجريفٍ ثقافيٍّ ممنهجة لكلّ ما يتّصل بالنظام الجمهوري، إذ لم تسلم الهوية الوطنية نفسها من هذا التجريف، بعدما أُقصيت لصالح ما يسمّيه الحوثيون "الهوية الإيمانية".
وفي هذا السياق، تعرّضت الأغنية الوطنية للتغييب، خصوصاً في المدارس، حيث حلّ "زامل الحرب" محلّها، ليصبح الأيقونة الأولى في التعبئة والتحشيد إلى جبهات القتال.
أمام هذا الخطر، برز الكاتب الصحافي والشاعر فكري قاسم لاستعادة زمام المبادرة، من خلال العمل على إحياء روح الانتماء الوطني والاهتمام بالأغنية الوطنية بوصفها ركناً أساسياً في تشكيل الوعي الجمعي،
إذ لطالما سارت الأغاني الوطنية جنباً إلى جنب مع الحراك الثوري منذ ثورتي سبتمبر 1962 وأكتوبر 1963 مروراً بتحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، وفي سائر المناسبات الوطنية اللاحقة.
أدرك قاسم أن المدارس هي المنطلق لإحياء الأغنية الوطنية، وأنّ جيل النشء والشباب هو الأكثر عرضةً لمحاولات التجهيل وغسل الأدمغة من قِبَل الجماعات الدينية ذات النزعة الكهنوتية، التي تسعى إلى سلخ الأجيال الجديدة عن انتمائها الوطني.
انطلاقاً من ذلك، قرّر قاسم – عبر مؤسسة المدينة للإنتاج والتوزيع الفني – تنظيم مهرجان الأغنية الوطنية 2025 في مدارس مدينة تعزّ، التي كانت ولا تزال حاملةَ المشروع الوطني اليمني في مختلف مراحل التاريخ، على أن يُنظَّم المهرجان سنوياً خلال الأعوام المقبلة.
جاء المهرجان تحت شعار "مدارس تغنّي للوطن"، وهدف إلى إنعاش روح التجديد عبر تحفيز إنتاج أغانٍ وطنية جديدة على خطى الجيل الذهبي من رموز الفن الوطني من شعراء وملحنين وفنانين،
كما سعى إلى ترسيخ قيم الانتماء الوطني والولاء للجمهورية وفكرها النهضوي، وتعزيز روح الكفاح في مواجهة النزعة الإمامية السلالية في نفوس الطلاب والشباب.
استهدف المهرجان 15 مدرسة (10 مدارس للبنات و5 للبنين)، وشارك فيه 150 طالباً وطالبة بواقع 10 من كل مدرسة. تنافس المشاركون خلال ثلاثة أيام، من 15 حتى 17 سبتمبر/أيلول، على مسرح مدرسة نعمة رسّام للفوز بجوائز المهرجان: أفضل أغنية وطنية جديدة (ثلاثة مراكز)، أفضل أداء جماعي لأغنية وطنية قديمة (ثلاثة مراكز)،
إضافة إلى جائزتي أفضل صوت بنات وأفضل صوت بنين (المركز الأول فقط).
وأسفر المهرجان عن إنتاج 15 أغنية وطنية جديدة، بمعدل أغنية لكل مدرسة مشاركة، فضلاً عن أغنيةٍ جديدة بعنوان "أنا السبتمبري" من كلمات فكري قاسم نفسه، وألحان سنان التبعي، وأداء كريم محمد.
شكّل المهرجان أيضاً فرصةً لاستذكار الدور المصري في دعم الثورة اليمنية، وهو دعمٌ لم يقتصر على الجانب العسكري، بل شمل الجانب الثقافي والفني أيضاً،
إذ قدّمت مصر عشرات الأغاني الوطنية التي تغنّت بالثورة اليمنية، وأدّاها كبار المطربين مثل عبد الحليم حافظ، ومحمد عبد الوهاب، وفايزة كامل، ومحمد قنديل وغيرهم.
يؤكّد قاسم أنّ الأغنية الوطنية كانت الرافد الأساسي لتصدير فكرة الثورة إلى الجماهير اليمنية في السنوات الأولى لثورة 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963،
إذ "ألهبت حماسهم وأيقظت مشاعرهم تجاه الحدث الثوري غير المألوف لدى جماهير كانت تعيش في عزلة عن العالم".
وأضاف أنّ "للدور المصري أثراً بالغاً في ذلك، من خلال الأغاني الثورية التي أنتجت خصيصاً لنقل روح الثورة إلى وعي الناس ومشاعرهم".
ويلفت قاسم إلى أنّ الأغنية الوطنية تعرّضت لما يشبه النسيان، بسبب اطمئنان مؤسستي الثقافة والإعلام الرسميتين إلى "سلامة الجمهورية" بطريقةٍ ساذجة، ما أدّى إلى غياب أغاني الثورة عن الإذاعة والتلفزيون، لتحلّ محلّها أعمال تمجّد الأشخاص لا القيم.
ثم جاء التركيز لاحقاً على أغاني الوحدة ورمزها، باعتبارها الحدث الأبرز في مرحلةٍ ما، ووسط هذا الانشغال – يضيف قاسم – "نسينا الجمهورية والثورة، وصارت الاحتفالات بهما روتينيةً بلا مضمون جديد.
ولم تدرك الجماهير ولا الدولة خطورة هذا النسيان إلا حين عادت الإمامة من جديد، في ثوبٍ حوثيٍّ إيرانيٍّ هذه المرة".
فخر العزب
صحافي يمني