سبعة وثامنهم رشاد:
في مسرحية عبثية، أو بالأحرى مأساة حقيقية تُدمي القلوب، يتجلى المشهد اليمني بمجلسه الرئاسي، الذي يضم في جنباته ثمانية.
ثمانية قادة، أُنيطت بهم مهمة انتشال وطنٍ جريح من براثن الحرب، لكنهم اليوم صارت تنطبق عليهم عبارة "سبعة وثامنهم رشاد"؛
عبارةٌ تُطلق في سياق السخرية اللاذعة، لتُجَسّد التشتت والعبث، لا الوحدة والتوجيه.
تاريخ الأمم، وفلسفة القيادة، كلها تؤكد أن البوصلة لا تستقيم إلا بربانٍ واحد، والسفينة لا تصل بر الأمان إلا بقبطانٍ مُحنّك. وكما حكت آية الكتاب الحكيم، في إيجازٍ بليغ وحكمةٍ عميقة: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" (الأنبياء: 22).
فإن الكون، بعظمته واتساعه، لا يستقيم بربين، فكيف لدولةٍ أن تنهض وتُدار بثمانية رؤوس؟ كلٌّ في مارب، وآخر في عدن، وثالث في المخاء، ورابع في السعودية، وأربعةٌ في الإمارات.
كلٌّ منهم يحمل في جعبته أجندة خاصة، ومصالح تتراقص على أنغام مختلفة، بينما اليمن ينتظر من يجمع شتاته، لا من يزيده تشتيتًا وضياعًا.
يا للمفارقة العجيبة، ويا للقياس المأساوي! أصحاب الكهف، الذين خلد ذكرهم القرآن الكريم، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، اختاروا الكهف ملاذًا آمنًا لهم، اجتمعوا فيه رقودًا، واتفقوا على غاية واحدة.
أما "ثمانيتنا"، فهم مشتتون في كل بقاع الأرض، من اليمن إلى السعودية والإمارات، يتنقلون هنا وهناك.
في المقابل، اليمنيين يحشدون دعمًا دوليًا ومحليًا، ويجمعون الأوراق والمؤتمرات لطرد الحوثي من الكهف الذي يتحكم منه باليمن كلها، أرضًا وإنسانًا.
بينما هم أنفسهم يتوزعون كنجوم مبعثرة لا يهدي بعضها بعضًا.
هنا يكمن لب القصة، وجوهر المأساة؛ كلما كثرت الرؤوس، انحرفت البوصلة، وتاهت الأهداف، وتشتت القرار.
فهل يمكن لهؤلاء الثمانية أن يوقفوا هذا النزيف، ويعيدوا لليمن بوصلته، وكرامته، ومستقبله؟
سؤالٌ يتردد صداه في كل بيت يمني، وينتظر إجابةً من صميم الرشاد، لا من وحي السخرية المريرة.