اليمن بين تآكل الشرعية وتعقيد البديل: هل تلتقط النخب اللحظة؟
تعيش الأزمة اليمنية اليوم واحدة من أعقد مراحلها منذ اندلاع الحرب، ليس فقط بسبب استمرار النزاع المسلح وتدهور الأوضاع الإنسانية، بل أيضا بفعل اهتزاز الثقة الإقليمية والدولية بالسلطة الشرعية اليمنية، التي كان يعوّل عليها سابقا كحامل لمشروع الدولة ومظلة للحل السياسي..
الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وهما من أبرز الداعمين للمسار السياسي في اليمن، باتا أكثر صراحة في التشكيك بجدوى استمرار الرهان على الشرعية، يعود هذا التغيير في الموقف إلى عدة عوامل، أبرزها التركيبة المتناقضة داخل هذه السلطة، التي تتوزع ولاءاتها بين تيارات أيديولوجية ومناطقية متناحرة، ما أفقدها القدرة على بناء مؤسسات فاعلة أو اتخاذ مواقف موحدة،
يضاف إلى ذلك الفساد المستشري في مفاصلها، والذي حول الدعم الخارجي إلى عبء سياسي وأخلاقي على المانحين..
رغم ذلك، لم يشهد الملف اليمني حتى الآن تحركا حاسما ضد جماعة الحوثي، التي تشكل خطرا أمنيا إقليميا ودوليا متزايدا، السبب ليس في شرعنة الحوثيين، بل في غياب الطرف البديل القادر على ملء الفراغ في حال تقويض قوتهم.
فالتجارب السابقة في المنطقة أظهرت أن إسقاط سلطة أمر ممكن، لكن إيجاد بديل مستقر ومقبول شعبيا وإقليميا أمر أكثر تعقيدا، فـالبديل المطلوب يجب أن يكون قادرا على:
1.احتواء الفوضى ومنع تسلل التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش.
2.كسب ثقة الشعب اليمني بتقديم مشروع وطني غير انتقامي.
3.طمأنة الجوار الإقليمي، لا سيما السعودية ودول الخليج، بعدم التحول إلى نقطة تهديد خصومهم.
هنا تبرز لحظة فارقة للنخب السياسية اليمنية، التي تقف أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة المشروع الوطني، بما يتجاوز معادلات المحاصصة الضيقة والارتهان الخارجي، لم تعد البيانات التقليدية والمناشدات كافية، بل إن الحاجة باتت ماسة إلى مشروع سياسي جامع يعيد اليمن إلى دائرته العربية والدولية، ويقدم بديلا واقعيا عن سلطة الشرعية المتآكلة والحوثيين المتمردين على منطق الدولة..
إن اغتنام هذه اللحظة لا يتطلب شعارات، بل إرادة وطنية حقيقية، ورؤية تتجاوز الحسابات الذاتية، تبدأ من حوار جاد بين القوى الوطنية، وتشمل مقاربة جديدة للعلاقة مع الخارج تقوم على الشراكة لا التبعية، فالعالم مستعد لدعم اليمن إذا وجد شريكا فاعلا وجديرا بالثقة..
فهل ستلتقط النخب هذه اللحظة قبل أن تسبقها التحولات الكبرى؟ أم أن اليمن سيبقى رهينة الاستقطابات ومعادلة اللا حل، حتى إشعار آخر؟.