المستقبل يبدأ من المدرسة أولًا!!
إن جذر أزمات الأمة العربية وما تعانيه من تراجع وانكسار وفقدان المبادرة يعود إلى عامل واحد هو إهمال التعليم وتجاهل المعرفة كأولوية حضارية ومستقبلية.
فمنذ عقود استسلمنا للشعارات والصراعات السياسية والدينية، وتركنا أساس البناء الحقيقي وهو صياغة عقل الإنسان العربي القادر على إنتاج المعرفة والتقنية والدفاع عن مجتمعه.
والمفارقة أن العرب الذين امتلكوا قبل نصف قرن المال والطاقات البشرية الكافية، أهدروا فرصة النهضة بينما سبقتهم شعوب كانت فقيرة مثل الهند وماليزيا وتركيا وفيتنام، لكنها اختارت أن تجعل التعليم محور مشروعها الوطني.
لقد كانت الجامعات الغربية تعج بالطلبة العرب من مختلف البلدان، وكانت أحلامهم بالوحدة والنهضة والتحرر تعكس أمل أمة كاملة، لكن غياب مشروع حقيقي جعل تلك الأحلام تتلاشى.
اليوم انقلب المشهد، فأصبح وجود العرب في الجامعات العالمية هامشيًا، بينما يملؤها أبناء الصين والهند وباكستان ممن أدركت دولهم أن التعليم هو طريق القوة.
أما الشباب العربي فصار يلجأ إلى الهجرة والمهن البسيطة لأنه لم يجد بيئة تعليمية تمنحه مستقبلاً لائقًا. وهكذا تحولت فكرة النهضة عند العرب إلى كلام بلا مضمون تتقاذفه الانقسامات الطائفية والمناطقية والدينية والسلالية والسياسية.
الفرق بيننا وبين غيرنا ليس في الثروة ولا في القدرات الإنسانية، بل في الرؤية والمشروع المستمر. فقد استثمرت الهند والصين في الإنسان، وتحولت إلى قوى عظمى،
بينما أهدر العرب أعظم ثرواتهم البشرية في الحروب والشتات. وحتى السعودية بما تملكه من موارد وإمكانات كان يمكن أن تصبح مركز جذب للعقول العربية وتطلق مشروع نهضة شامل، لكنها لم تستثمر هذا الدور بعد بالصورة الكافية.
ومع ذلك، فإن الطريق لم يُغلق بعد. بإمكان العرب استعادة المبادرة إذا امتلكوا شجاعة مصالحة الذات وتجاوز ثقافة الصراعات والانقسامات، والعودة إلى الأساس الصحيح وهو التعليم.
النهضة الحقيقية لن تصنعها المؤتمرات أو البيانات وإنما مشروع استراتيجي يضع المدرسة والجامعة في مقدمة الأولويات، ويعيد للمعلم مكانته، ويحوّل المناهج من الحفظ إلى الإبداع، ويستبقي العقول داخل المنطقة بدل نزيفها للخارج.
إن الاستثمار في التعليم ليس ترفًا ولا بندًا ثانويًا، بل هو معركة البقاء. فإذا استمر الإهمال فلن ينقذ العرب نفط ولا غاز ولا تحالفات سياسية،
أما إذا جعلنا التعليم مشروعنا الأول وجعلنا بناء الإنسان قضيتنا المركزية، فسوف نصنع نهضة حقيقية ونستعيد مكانة الأمة بين الأمم فالمستقبل يبدأ من المدرسة أولًا، والخيار اليوم واضح: إما أن ننهض من بوابة التعليم، أو نستمر في التيه والانحدار.
وأخير كل واحد منا ينظر الى ذاته كميكروا امة بامراضه وطموحته وتعليمه وحتى تقلباته ونكاساته ويطرح سؤال عنيف، هل انا امثل امة و قادر على المنافسة لي ولها، ومن هو السبب في تدمير قدراتي للمنافسة بين الامم وفي اسواقها.