المغول الجدد: كيف يعيد الحوثي كتابة تاريخ الخراب بدم يمني؟
في تاريخ الأمم، ثمة أحداث تتشابه لا في وقائعها فحسب، بل في جوهرها الذي يحمل بذور الدمار والخراب.
لقد كانت غزوات المغول، بقيادة جنكيز خان، علامة فارقة في تاريخ الشعوب، تجسيدًا للقوة الغاشمة التي لا تعرف سوى القتل والتخريب من أجل التوسع والهيمنة.
وفي القرن الحادي والعشرين، يطل علينا شبح آخر من رحم هذه الفلسفة الدموية، لا يغزو بجيوش الخيالة من سهول آسيا، بل من صلب المجتمع الذي يدعي الانتماء إليه، ليحكم اليمن بدموية المغول وبربريتهم.
تدمير المعالم وتشويه الهوية: تشابه في الأفعال
كان المغول يستلذون بإحراق المدن وتدمير المكتبات، فمحو الحضارة كان جزءًا أصيلًا من استراتيجيتهم، تمامًا كما فعلوا في بغداد.
وبنفس المنطق المأزوم، نشهد اليوم حملة منهجية من قبل الحوثيين لتدمير تاريخ اليمن وتشويه هويته.
لقد استهدفوا الآثار والمساجد التاريخية، وحاولوا طمس المعالم الثقافية، لا لشيء سوى لإعادة صياغة الذاكرة الجمعية وتاريخ الشعب اليمني ليخدم روايتهم السلطوية.
إنهم ليسوا مجرد مقاتلين، بل هم محوّون للهوية، ينحتون في الجدران ويكتبون فوق تاريخ الأجداد شعاراتهم التي لا تحمل سوى الموت والظلام.
لقد كان هدف المغول هو الهيمنة المادية على الأرض، بينما يذهب الحوثي إلى ما هو أبعد من ذلك؛ يتدخل في عقائد الناس ويفرض مذهبًا بعينه، محاولًا إخضاع العقول كما أخضع الجغرافيا.
وكما حاول جنكيز خان توحيد القبائل تحت راية واحدة بالقوة، يسعى الحوثي إلى توحيد الشعب اليمني تحت إرادة واحدة بالقمع، محولًا الاختلاف الفكري إلى جريمة تستوجب العقاب.
الخراب يولد الخراب: مغول الأمس ومآسي اليوم
كان المغول يدمرون ليزرعوا الخوف في قلوب أعدائهم، وكان هذا الدمار ينتهي بهم إلى تأسيس إمبراطورية عمرها محدود.
أما الحوثي، فخرابه لا يقتصر على التدمير المادي والقتل الذي طال الأبرياء، بل يتجاوزه إلى خراب أعمق وأخطر،
هو خراب الوطن. بتصرفاتهم الطائشة، وخاصةً في البحر الأحمر، أقدموا على عمل أدى إلى تدخلات خارجية، كان أبرزها ضربات إسرائيل التي استهدفت ما تبقى من بنية تحتية ومصالح حيوية في اليمن.
هنا يكمن الفرق الجوهري الذي يجعل الحوثي أكثر خطورة: فبينما كان المغول يدمرون ليؤسسوا ملكًا، يدمر الحوثي وطنه بيديه ليخدم أجندات خارجية لا تعنيه مصالح اليمن.
إنهم ليسوا فاتحين، بل سماسرة خراب، يبيعون ما تبقى من اليمن لغيرهم، ويدفعون الشعب ثمنًا باهظًا لغبائهم السياسي وعنجهيتهم العسكرية.
إن المغول كانوا على الأقل يبنون على أنقاض ما دمروا، أما الحوثي فهو يكمل دورة الخراب ويجعلها دائرة مفرغة لا تنتهي، حيث يدمر ثم يستدعي من الخارج من يكمل التدمير.
شذاذ الآفاق: عري للحقيقة
في النهاية، لا يمكن لأحد أن يصف الحوثيين بغير ما هم عليه: شذاذ آفاق.
لقد خانوا أرضهم وشعبهم وتاريخهم. هم لم يأتوا ليفتحوا، بل ليسلبوا. لم يأتوا ليبنوا، بل ليدمروا. لقد أعادوا إلى الأذهان عصر المغول، لا بقوتهم بل بدمويتهم.
هم ورثة الدمار، وحملة لواء الخراب، لا يملكون من الحكمة شيئًا ولا من البصيرة إلا ما يقودهم إلى الهاوية، ويدفع معهم اليمن كله. إنهم نسخة منقحة من الظلام،
لا تحمل معها أي بصيص أمل، سوى أنها تكشف عن حقيقة مرة، أن المغول قد لا يكونوا قد اختفوا، بل تغيرت وجوههم وأسماؤهم،
وربما أصبحوا اليوم يرتدون عباءات دينية ويتحدثون بلسان محلي، لكن قلوبهم وعقولهم ما زالت تعيش في عصور الظلام.