العالم العربي يمتلك مقومات تجعله في النهاية ينتصر!!
ينطوي العالم العربي، من حيث موقعه الجغرافي الاستراتيجي وامتداده الديمغرافي ورصيده الحضاري وموارده الطبيعية، على عناصر قوة تؤهله للتموضع كفاعل من الدرجة الأولى في إعادة تشكيل بنية النظام الدولي المعاصر.
غير أن ما يشهده من محاولات مستمرة للتفكيك والاستنزاف إنما يعكس إدراك القوى الرأسمالية المهيمنة لأهمية هذا المجال الحيوي وما يملكه من القدرة الكامنة على الإسهام في الانتقال من نظام أحادي القطبية إلى نظام دولي متعدد الأقطاب.
فالعالم العربي، برغم ما يعتريه من تحديات داخلية وخارجية، يمتلك مقومات تؤهله لفرض ذاته إذا ما توافر مشروع إستراتيجي جامع يستند إلى رؤية طويلة المدى،
ويستثمر عناصر القوة المادية والرمزية في آن واحد. التعليم والتنمية المعرفية هنا ليسا مجرد أدوات تحديث داخلي، بل يشكلان جزءًا من رأس المال الرمزي الذي يمنح العرب القدرة على التنافس في فضاء الإنتاج المعرفي وصياغة البدائل الأيديولوجية،
وهو ما يعد أساسيًا في العلاقات الدولية المعاصرة حيث القوة لم تعد تنحصر في المجالين العسكري والاقتصادي فقط، بل تشمل القدرة على تشكيل السرديات وأنماط المعرفة.
ويكشف التاريخ أن الأمة العربية، حتى في لحظات الانكسار أو الإخفاق المرحلي، تمتلك قدرة تجديدية تتيح لها إعادة إنتاج ذاتها وصياغة أدوات المقاومة والتكيف.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن النظر إلى العالم العربي باعتباره وحدة مستقلة ومعزولة، بل كجزء من شبكة دوائر جيوسياسية متداخلة تشمل الجوار الإقليمي الواسع مثل تركيا وإيران وشبه القارة الهندية وإفريقيا وآسيا الوسطى.
إن هذه الدوائر، إذا فُعلت في إطار رؤية إستراتيجية، يمكن أن تشكل نواة لتحالفات إقليمية عابرة للحدود ينتج عنها إعادة توزيع القوة في النظام الدولي وكسر آليات التبعية البنيوية التي ارتبطت بالهيمنة الغربية منذ منتصف القرن العشرين.
وتتمثل إحدى نقاط القوة المحورية في الموقع الجيوبوليتيكي للعالم العربي، الذي يطل على مجموعة من الممرات البحرية الإستراتيجية العالمية مثل البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج وبحر العرب والبحر المتوسط. هذه الممرات لا تمثل مجرد خطوط إمداد للطاقة أو التجارة، بل تشكل أدوات ضغط مادية يمكن توظيفها في معادلات القوة الدولية.
كما أن امتلاك العرب لأسواق واسعة وقاعدة بشرية ضخمة يمنحهم القدرة على التأثير في ما يمكن تسميته "اقتصاد المعرفة-الاستهلاك"، إذ إن التحكم في أنماط الطلب والنفاذ إلى الأسواق يوازي في أهميته التحكم في الإنتاج الصناعي والمعرفي.
علاوة على ذلك، توفر الروابط الثقافية والاقتصادية مع إفريقيا وآسيا الوسطى فضاءات لتوسيع الدور العربي في إطار مقاربة متعددة الأقطاب للعلاقات الدولية، حيث يمكن للعرب أن يعيدوا تموضعهم ضمن ائتلافات جنوب-جنوب تسهم في الحد من المركزية الغربية للنظام العالمي.
إلا أن استمرار الرأسمالية المتوحشة في زعزعة المجتمعات العربية عبر إعادة إنتاج التبعية بوسائل ناعمة – كزرع الخوف والقلق وتفكيك البنى الاجتماعية – يمثل عقبة أمام عملية التحول من الإمكان النظري إلى الفعل المؤسسي المنظم.
وبناءً على ذلك، فإن التحدي البنيوي أمام العالم العربي يتمثل في القدرة على الانتقال من مرحلة الإمكانات الجيوبوليتيكية والديموغرافية الكامنة إلى مستوى الفعل السياسي المؤسّس،
عبر بلورة مشروع إستراتيجي إقليمي يقوم على تكامل القدرات وتحديد المصالح العليا، والانخراط في إعادة صياغة النظام الدولي بما ينسجم مع منطق التعددية القطبية الصاعدة.
وبدون هذا الانتقال، سيظل العالم العربي أسيرًا لبنية التبعية ومحاولات الاحتواء التي تعيد إنتاج الهيمنة بأشكال جديدة.