ما أسباب الموقف العدائي للحوثيين من ثورة 26 سبتمبر؟
تبنى الحوثيون موقفاً عدائياً من ثورة 26 سبتمبر (أيلول 1962)، التي أنهت الحكم الإمامي وأعلنت عن قيام النظام الجمهوري في اليمن.
وسعى الحوثيون لطمس كل ما له علاقة بالثورة ومحوها من ذاكرة اليمنيين، وصولاً إلى اختطاف المحتفلين بذكراها. وباشر الحوثيون فرض حالة استنفار أمني في مناطق سيطرتهم خشية إقامة احتفالات شعبية بذكرى الثورة.
وشن الجهاز الأمني للحوثيين منذ مطلع سبتمبر الحالي حملة خطف واسعة في صنعاء والمدن الخاضعة لسيطرتهم، شملت ناشطين وصحافيين ومحامين وأكاديميين، بسبب منشورات عن ثورة سبتمبر في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد هدد رئيس وكالة سبأ بنسختها الحوثية القيادي الحوثي نصر الدين عامر، بـ"خلع رؤوس من سيحتفلون بذكرى ثورة 26 سبتمبر"، واصفاً إياهم بـ"العدو الذي يخدم أجندة صهيونية".
ذكرى ثورة 26 سبتمبر
وكشفت منظمة ميون لحقوق الانسان، الثلاثاء الماضي، أن الحوثيين المصنفين دولياً على قوائم الإرهاب، اختطفوا أكثر من 270 مدنياً في صنعاء وعدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، بينهم صحافيون وتربويون وناشطون، بسبب كتابات على وسائل التواصل الاجتماعي أعلنوا فيها عزمهم على الاحتفال باليوم الوطني الـ62 لثورة 26 سبتمبر.
وذكرت المنظمة في بيان أن الجماعة "سخّرت وزارة داخليتها، بكافة قطاعاتها وأجهزتها القمعية، لترهيب المدنيين وقمعهم وفرض سيطرتها بالقوة وإسكات أي صوت معارض أو منتقد لممارساتها".
وجاءت حملة اختطاف المحتفلين بذكرى الثورة في سياق التوجه العام لجماعة الحوثيين الهادف للقضاء على كل ما له علاقة بثورة سبتمبر، ووصل بها الحال هذا العام لعدم الإعلان عن أن يوم الذكرى إجازة رسمية، وهي الإجازة المنصوص عليها في الدستور والقانون اليمني.
بالتزامن، عقدت القيادات الأمنية اجتماعاً مع عدد من مدراء المدارس في مناطق سيطرة الحوثيين، لتحذيرهم من الاحتفال بذكرى ثورة سبتمبر.
كما قام ناشطون حوثيون، أبرزهم الممثل أحمد حجر، بالتشهير بالنساء المحتفلات بثورة سبتمبر بمقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وشتمهنّ.
وجاء ذلك بعد عدة خطوات سابقة اتخذها الحوثيون منذ انقلابهم على الدولة في 21 سبتمبر 2014، حين حُذفت أهداف الثورة من واجهة صحيفة الثورة الرسمية.
كما حذف الحوثيون الثورة من المناهج الدراسية، وغيروا أسماء المدارس التي تحمل أسماء الثوار واستبدلوها بأسماء أخرى عبّرت عن الموقف العدائي للحوثيين من ثورة سبتمبر وأهدافها وقيمها.
حزام الأسد، عضو المكتب السياسي للحوثيين، قال إن ذكرى 26 سبتمبر مناسبة وطنية وإجازة رسمية بموجب القانون، وهناك احتفال كرنفالي وشبابي كبير يتم التحضير له يقام في المناسبة كالعادة، وفيه يتم إيقاد شعلة الثورة رسمياً بحضور ومشاركة قيادات الدولة بميدان التحرير بالعاصمة صنعاء.
وأشار إلى أن "الإجازة بموجب القانون ستكون يوم المناسبة (يصادف يوم راحة في مناطق الحوثيين)، وليست لدي أي معلومات أو تفاصيل استثنائية".
وأوضح الأسد أنه "بالنسبة لمن يتم دفعه للإخلال بالوضع الأمني وتعريض حياة المواطنين للخطر خدمة للأجندات المعادية تحت أي عنوان أو شعار، فإن الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها القانوني تجاهه، ولمن أراد أن يحتفل بأي مناسبة وطنية أو دينية، فالأمر متاح وبطريقة منظمة، وليشارك كبقية أبناء البلد من دون إحداث أي فوضى تخدم العدو".
ولفت الأسد إلى أن "ذكرى ثورة 26 سبتمبر تمثل مناسبة وطنية مهمة، ومحطة تاريخية نقف عند أهدافها العظيمة والتي يواصل شعبنا اليوم نضاله لتحقيقها كاملة، إذ استطاع بعد أكثر من 62 عاماً أن ينتزع استقلاله، ويتخلص من الوصاية والتبعية للخارج، ويمضي نحو تحرير كامل تراب الأرض اليمنية، ويواصل بناء الجيش الوطني المقتدر على حماية الشعب واستقلال البلد وسلامة أراضيه، وكذلك السعي لإحداث تنمية حقيقية شاملة، وتوفير حياة كريمة لأبناء الشعب اليمني".
اختطاف 89 شخصاً في صنعاء خلال 3 أيام
شنّت جماعة الحوثي حملة اختطافات واسعة طالت عشرات السكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء بمن فيهم إعلاميون وناشطون وموظفون حكوميون، وذلك على خلفية اعتزامهم الاحتفال بذكرى «ثورة 26 سبتمبر»، بحسب ما أكدته مصادر مطلعة .
وأوضحت المصادر أن عناصر تتبع ما تسمى أجهزة «الأمن والمخابرات» و«الأمن الوقائي» و«الأمن المجتمعي» التابعة للجماعة الحوثية اختطفت خلال 3 أيام نحو 89 مدنياً من أحياء متفرقة في صنعاء تتبع مديريات السبعين والثورة ومعين وآزال لمنعهم من الاحتفال بذكرى ثورة «26 سبتمبر» التي تصادف الخميس.
وذكرت المصادر أن الاختطافات الحوثية شملت مدنيين في أحياء بيت معياد وحدة والقادسية والجرداء والسنينة ومذبح وعصر والجراف والحصبة، في حين تواصل الجماعة تنفيذ حملات تعقب وملاحقة لأشخاص آخرين.
وتتزامن أعمال الخطف الحوثية ضد المدنيين في صنعاء، مع اتهام مصادر حقوقية يمنية الحوثيين باستحداث عشرات المعتقلات والأقبية الجديدة بمناطق متفرقة في المدينة وضواحيها بغية التمكن من استيعاب أعداد أخرى من المختطفين الجدد.
وتبرر جماعة الحوثيين جرائم الخطف الحالية للمدنيين في صنعاء ومدن أخرى بأنهم يقومون بأعمال تحريض ضدها وتوجيه دعوات للخروج إلى الشوارع للاحتفال بثورة «26 سبتمبر» والقيام بانتفاضة شعبية تطالب برحيلها.
وأثارت حملات القمع الحوثية حالة من الاستياء والرفض في صنعاء، بعد أن أعلنت الجماعة حالة استنفار وسخّرت جميع أجهزتها الأمنية والتجسسية لترهيب المدنيين في العاصمة المختطفة وبقية مناطق سيطرتها.
واستهجن سكان في صنعاء، انشغال الحوثيين بملاحقة وخطف المدنيين المحتفلين بثورة «26 سبتمبر»، وتجاهلهم لما يعانيه الملايين بمناطق سطوتهم من توقف الرواتب واتساع رقعة الفقر وتقطع سبل الحياة وغياب أبسط الخدمات وتفشي الأوبئة.
وتداول ناشطون يمنيون في الأيام الماضية، صوراً ومشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي لعمليات انتشار كثيف لمسلحي جماعة الحوثي، وقيامهم بأعمال دهم وتفتيش، ضد كل مَن يحاول الاستعداد والتجهيز للاحتفال بذكرى ثورة «26 سبتمبر».
وكانت منظمة «ميون لحقوق الإنسان» قد أفادت باختطاف جماعة الحوثي في الأيام الماضية أكثر من 270 مدنياً في صنعاء، وعدد من المدن تحت سيطرتها، وذلك لمنعهم من الاحتفال بذكرى الثورة.
الثورة نقيض الحوثيين
من جهته، قال الصحافي اليمني سلمان المقرمي، إن جماعة الحوثي "هي نقيض ثورة 26 سبتمبر الأيديولوجي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وخلال سبع سنوات بين عام 2014، حين انقلب الحوثيون، وعام 2021، لم يكن اليمنيون يحتفلون في ذكرى سبتمبر، أو لم يكونوا قادرين على الاحتفال بمناسبة ثورة 26 سبتمبر في مناطق سيطرة الحوثيين.
وخلال السنوات الماضية كان الاحتفال بذكرى سبتمبر يقتصر على الاحتفالات في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في بعض القرى النائية. المدن لم تكن تشهد أي احتفالات".
وأضاف المقرمي أن "ما حصل في السنوات الثلاث الماضية، هو أن جرأة وتحدي المجتمع ازدادا، بمعنى أن المجتمع استطاع كسر سلسلة من عوامل ترهيب الحوثيين عليه وبدأ يحتفل، فرأينا احتفالاً مفاجئاً في سبتمبر 2023 في صنعاء وغيرها من المدن، ورأينا الاحتفالات لمدة يومين وأكثر، بمعنى أن المجتمع تجرأ وحطم التضييق الحوثي".
وتابع: "هذا العام رأينا احتفالات طلاب مدارس، وخريجي جامعات في إب، ورأينا استعدادات معلنة حتى على مستوى عقال حارات، وشيوخ قبليين، وقادة حزبيين، ونقابات مهنية، فالمجتمع يحطم القيود الحوثية، وحملة الخطف هي حملة حوثية يائسة لبث الخوف في أوساط المجتمع، واستمرار عمليات الخطف يعني استمرار التحدي من قبل المجتمع، والناس ينظرون للمختَطفين بوصفهم أبطالاً، والناس اليوم يريدون أن يشاركوا في هذه البطولة".
وعن أسباب موقف الحوثيين من ثورة 26 سبتمبر، رأى الباحث السياسي ثابت الأحمدي، أن الحوثيين اليوم "مجرد ظل للخارج، ويعملون ضد مصالح الشعب اليمني ومصالح الإقليم، وهم على النقيض من قيمنا وفكرنا وثقافتنا، ويتعاملون مع الشعب باعتباره عدواً متربصاً، شردوا، اعتقلوا، قتلوا... ولا تزال آلة البطش الحوثية جارية إلى اللحظة".
وأشار الأحمدي إلى أن ثورة سبتمبر 1962 "جاءت لتعيد الأمور إلى نصابها، والحق إلى أهله، فقد نعِم اليمنيون بالحرية والعدالة والمساواة، وحين انقلبت هذه الجماعة على الدولة في العام 2014 عادت سيرة آبائها وأجدادها الأولى، متمسكة بوهم "الحق الإلهي في الحكم"، لهذا يقف الحوثيون ضد ثورة 26 سبتمبر بعدما نخروا فيها من الداخل خلال العقود الماضية، وانقضّوا عليها في انقلابهم المشؤوم".
طوارئ حوثية غير معلنة لمواجهة انتفاضة شعبية محتملة
تعيش ثلاث مدن واقعة تحت سيطرة الحوثيين حالة طوارئ غير معلنة عشية الذكرى الثانية والستين لثورة «26 سبتمبر (أيلول)» خشية من حدوث انتفاضة شعبية، حيث نشرت الجماعة قواتها في شوارع وأحياء هذه المدن، وأغلقت ساحة السبعين للعروض الرئيسية في جنوب صنعاء، واستمرت حملة الاعتقالات.
ومع أن الجماعة الحوثية عادت وأعلنت احتفالها بالذكرى السنوية للثورة التي أطاحت بأسلاف الحوثي، فإنها واصلت حملة المطاردة والاعتقالات للنشطاء، وأرسلت تعزيزات من عناصر المخابرات النسائية إلى مدينة الحديدة، كما نشرت قوات كبيرة في جنوب مدينة صنعاء وفي أحياء مدينة إب.
وذكر سكان في صنعاء وإب والحديدة أن مخابرات الحوثيين واصلت حملة المداهمة والاعتقالات التي طالت المئات في المدن الثلاث لمنع الاحتفال بالذكرى السنوية للثورة.
وترافقت هذه الحملة - بحسب المصادر - مع انتشار أمني غير مسبوق؛ إذ تمركزت قوات كبيرة في الشوارع ومداخل الأحياء في جنوب صنعاء والواقعة بالقرب من ميدان السبعين، وهو ساحة العروض الرئيسية في المدينة.
كما أعلنت حكومة الحوثي تنظيم حفل لإيقاد الشعلة في ميدان التحرير، وسط المدينة، في محاولة لامتصاص النقمة الشعبية.
تعزيز أمني
في مدينة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) ذكر السكان أن الحوثيين عززوا قواتهم في المدينة، ونشروا قواتهم في شوارع وأحياء المدينة، واعتقلوا النشطاء الذين دعوا للاحتفال بذكرى الثورة.
وأفادت المصادر بأن الجماعة استدعت وحدات قتالية من خطوط التماس مع القوات الحكومية في محافظتي تعز والضالع المجاورتين؛ لتعزيز قبضتها على أحياء المدينة التي باتت مركزاً لمعارضة نظام حكمها.
وذكر السكان أن الاعتقالات طالت مسؤولي الأحياء والذين يتهمون بالتواطؤ مع الداعين لإحياء المناسبة.
ورغم إجراءات القمع التي يتبعها الحوثيون مع الداعين للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم، فإن السكان استمروا في رفع الأعلام الوطنية على قمم الجبال وفي الأرياف، كما رددت المدارس الأناشيد الوطنية المكرسة للاحتفال بالمناسبة، فيما استمر النشطاء والمنظمات في إصدار بيانات التنديد والاستنكار لحملة الاعتقالات.
هذه التطورات ترافقت وتأكيد نشطاء أن الحوثيين يخططون لاستهداف النساء في صنعاء وإب، وأن اتهامات «بشعة» قد جهزت لهن بالاتفاق مع مسؤولي الأحياء والتشكيلات الأمنية النسائية المعروفة والأمن الوقائي وباقي الجهات الأمنية، كما تولت هذه المجموعات مراقبة مراسلات مجموعات «واتساب» لمن يدعو للاحتفال بثورة «26 سبتمبر» واستدعائهم وسجنهم.
تنديد حكومي
قال وكيل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية، ماجد فضائل، إن القمع الذي يمارسه الحوثيون ومنع الاحتفالات بذكرى «ثورة 26 سبتمبر»، مؤشر خطير لسير الحوثيين نحو إعادة فرض نموذج من الحكم الاستبدادي الطائفي،
ورأى أن التحولات الأخيرة في ممارسات الجماعة تجاه الهوية الوطنية تعكس مخاوفها من فقدان السيطرة على مناطق نفوذها.
وأكد فضائل، وهو عضو الوفد الحكومي المتعلق بملف الأسرى، أن حملات الاختطافات جزء من حملة أوسع لإسكات الأصوات التي تنادي بالقيم الجمهورية والتعددية الفكرية.
وأضاف أن النظام الحوثي يعتمد على القمع والاستبداد لإسكات أي صوت يخالف توجهاته أو يهدد نفوذه.
واتهم المسؤول اليمني الجماعة الحوثية بالسعي لإزاحة المناسبات الوطنية من الذاكرة الجمعية لليمنيين؛ لأنها تُشكل تهديداً لسلطتها، مستغلة المناسبات الدينية أداةً لتحقيق أغراضها السياسية.
ورأى أن محاولة إبراز الاحتفالات الدينية على حساب الاحتفالات الوطنية يعكس توجه الحوثيين لربط السلطة الدينية بالسلطة السياسية، في محاولة لإعادة إنتاج نموذج مشابه لما كان عليه الحال قبل النظام الجمهوري.