
من هاجم السفينة "فالكون" في خليج عدن؟
الرأي الثالث
في صبيحة السبت الموافق 18 أكتوبر الجاري، أطلق طاقم السفينة "إم في فالكون" الخاصة بنقل الغاز المسال نداء استغاثة بعد تعرضها لهجوم مجهول أدى إلى اندلاع حريق هائل على متنها في خليج عدن.
قامت مهمة "أسبيدس" الأوروبية بإجلاء غالبية طاقم السفينة، بينما تضاربت الأنباء والمعلومات حول طبيعة الحادث الذي تعرضت له، وما إذا كان هجوماً أم حادثاً عرضياً، في حين أشار موقع متخصص في تتبع شحنات الغاز والنفط إلى أن السفينة كانت تحمل نفطاً إيرانياً.
وفي ظل هذه الظروف والمعطيات، تبرز تساؤلات حول طبيعة الحادث، ومن المسؤول عنه، وهل فعلاً تتبع السفينة ما يُعرف بـ"أسطول الشبح" الإيراني، وهل يفتح ذلك الباب أمام مواجهة بحرية جديدة في محيط اليمن بين "إسرائيل" وإيران؟
حادثة غامضة
اشتعلت النيران بشكل مفاجئ على متن السفينة "فالكون" المخصصة لنقل الغاز المسال أثناء إبحارها على بُعد 113 ميلاً بحرياً جنوب شرق ميناء عدن، في منطقة شهدت خلال العامين الماضيين عدة عمليات استهداف نفذتها جماعة الحوثي ضد سفن مرتبطة بـ"إسرائيل".
وتسند هذه المعلومات ما كشفته وكالات أنباء عن أن السفينة "فالكون" جرى استهدافها أثناء توجهها من ميناء صحار في سلطنة عُمان إلى جيبوتي، بحسب شركة "أمبري" للأمن البحري، وهو ذات الخط البحري الذي تتحرك فيه السفن المتجهة من وإلى السواحل الإيرانية.
ووفقاً للمهمة الأوروبية "أسبيدس"، فإن الانفجار وقع على متن ناقلة محمّلة بالغاز المسال، وبعد تلقي نداء الاستغاثة شرعت عمليات البحث في إنقاذ الطاقم البالغ عددهم 26 فرداً.
وذكرت المهمة أنها نجحت في إخلاء 24 من أفراد الطاقم، وهم أوكراني واحد و23 هندياً، نحو ميناء جيبوتي برفقة الفرقاطة اليونانية "سبتساي"، في حين لا يزال اثنان من أفراد الطاقم مفقودين، وهما من الجنسية الهندية.
ورجّحت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية يوم السبت 18 أكتوبر أن السفينة تعرضت للاستهداف بمقذوف مجهول، في حين أكدت شركة "أمبري" للأمن البحري وقوع انفجار على متن السفينة أدى إلى اندلاع حريق هائل.
نفي حوثي
الهجوم، رغم أنه يحاكي ويشبه هجمات جماعة الحوثي البحرية التي استهدفت عشرات السفن خلال العامين الماضيين، فإن تقارير عدة تُخلي ساحة الجماعة، وهو ما أكده مصدر في وزارة الدفاع التابعة لها.
كما استبعدت شركة "أمبري" للأمن البحري مسؤولية الحوثيين عن استهداف السفينة "فالكون"، في حين رجّحت وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية أنه لا صلة للحوثيين بالحادثة.
وقالت الوكالة الأمريكية إن التفاصيل المتوفرة عن السفينة المستهدفة تشير إلى أنها سبق أن اتُّهمت من قِبل منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، بالعمل ضمن أسطول الشبح الإيراني الذي يقوم بنقل النفط الإيراني عبر البحار للتحايل على العقوبات الدولية.
ما علاقة إيران؟
وفقاً للعديد من التقارير، فإن السفينة "إم في فالكون" ربما تكون فعلاً جزءاً من أسطول الشبح الإيراني، وهذا ما ذهب إليه موقع "تانكر تراكرز" المتخصص في تتبع شحنات النفط.
وقال الموقع في تقرير عن الحادثة يوم السبت 18 أكتوبر إن السفينة "فالكون" كانت تحمل شحنة غاز مسال من ميناء عسلوية الإيراني، في طريقها إلى ميناء رأس عيسى في الحديدة لنقل الوقود لجماعة الحوثي.
وأشار إلى أنه تم تحميل السفينة في ميناء عسلوية في 25 سبتمبر الماضي، وكانت في طريقها إلى ميناء رأس عيسى الخاضع لسيطرة الحوثيين، وأن السفينة سبق أن تعرضت للاحتجاز في يناير 2025 في إسطنبول بسبب 13 عيباً، وهي ناقلة هندية ترفع علم الكاميرون، ويبلغ عمرها 31 عاماً.
وأضاف "تانكر تراكرز" أن السفينة ليس لها شركة تأمين معروفة، كما أنها غير مدرجة على القائمة السوداء لأي حكومة، مشيراً إلى أن هذا التحليل لا يعني تأكيداً رسمياً أو قضائياً حول طبيعة السفينة وحمولتها ووجهتها.
وسرعان ما نفت وزارة النفط الإيرانية علاقتها بالسفينة المستهدفة قبالة سواحل اليمن، مؤكدةً أنها ليست تابعة لها أو للشركة الوطنية لناقلات النفط،
إلا أن إيران تملك أسطولاً يُعرف بـ"أسطول الشبح"، ويتكوّن من أكثر من 180 سفينة عملت خلال السنوات الماضية على نقل النفط والغاز لتحاشي العقوبات الغربية والأمريكية.
وبالرغم من عدم وجود معلومات دقيقة حول طبيعة الهجوم والطرف المنفذ وهوية السفينة، إلا أن الحادثة تُذكّر بحرب الناقلات التي اشتعلت في بحر عُمان ومنطقة الخليج ومناطق أخرى خلال الفترة من 2019 وحتى 2021، وجرى خلالها استهداف ناقلات نفط وشحن في مياه الخليج ومناطق أخرى.
وفي مارس 2021، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين وإقليميين قولهم إن "إسرائيل" استهدفت قرابة 12 سفينة إيرانية كانت في طريقها إلى سوريا.
حضور إسرائيلي
يرجّح الخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب فرضية وجود دور إسرائيلي في أي تحركات مماثلة في بحار اليمن، لافتاً إلى أن ذلك يعود لكون المعركة لا تزال مفتوحة بين جماعة الحوثي و"إسرائيل".
وقال أيوب إنه حتى الآن لم يتم اتخاذ قرار بوقف الغارات على الجماعة اليمنية، كما أنها لم تتخذ قراراً بإيقاف عملياتها ضد الدولة العبرية.
وأشار إلى أن "إسرائيل" لديها وجود عسكري في الجزر الإريترية، ولديها قاعدة في إريتريا، مضيفاً: "أعتقد أن بإمكانها تنفيذ هجمات جوية على عمق أكثر من 500 كلم في تلك المنطقة، وبالتالي تطال المياه الإقليمية لكل الدول هناك في خليج عدن".
وحول إمكانية ضلوع "إسرائيل" في عملية استهداف السفينة "فالكون"، قال أيوب: "ليس غريباً على الدولة العبرية أن تقوم باستهداف سفينة إيرانية محمّلة بالغاز أو بغيره إلى الحوثي،
فهذا يأتي في سياق ردود إسرائيلية على ضربات الحوثي الصاروخية إلى عمق الأراضي المحتلة".
ويلفت إلى أن الاحتكاك العسكري لا يزال قائماً بين الحوثيين و"إسرائيل" في تلك المنطقة، وأن الوجود العسكري الإسرائيلي سوف يتعزز هناك، وكذلك وجود قوات التحالف الدولي الموالي للدولة العبرية.
واستطرد العقيد أيوب قائلاً: "يأتي هذا في سياق الضغط الاقتصادي على الحوثي باستهداف السفن التجارية وغيرها، وبالطبع إذا كانت السفينة ذاهبة إلى الحوثي، فسيؤدي ذلك إلى ردود فعل حوثية على السفن الأخرى".
وأضاف أن اليد العليا في المياه الإقليمية (خليج عدن والبحر الأحمر) هي للتحالف الدولي المساند لـ"إسرائيل"،
مشيراً إلى أنه في حال حوصرت المياه اليمنية من قبل هذا التحالف، فإن ذلك سيؤدي إلى إضعاف قدرات الحوثي والحدّ من حصوله على أي إمدادات عسكرية واقتصادية من إيران، وبالتالي سيكون هذا عاملاً مساعداً لإنهاء سيطرته في تلك المنطقة.