العرب في الأولمبياد.. إنجازات الماضي وآمال الحاضر
تتّجه أنظار العالم إلى العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة، لمشاهدة حفل افتتاح الدورة الـ 33 من الألعاب الأولمبية الصيفية باريس 2024.
ويُعَدّ الأولمبياد الحدث الرياضي الأبرز في العالم، بحيث تسعى كل الدول لتسجيل حضورها، والوجود في منصات التتويج بسبب ما يحمله هذا الحدث من أهمية متعددة الجوانب تتباهى بها الأمم أمام بعضها البعض، ويتشارك الرياضيون في المنافسات المتنوعة من جميع الجنسيات والأعراق بهدف واحد، يتمثل بحصد الميداليات ورفع علم بلادهم في أضخم محفل رياضي في العالم.
أمّا عن حكاية العرب الأولمبية فهذه السطور تحكي تاريخ المشاركة العربية وأهم إنجازاتها.
مصر رائدة العرب الأولمبية
لم يكن للعرب أي حضور رياضي على المستوى العالمي في القرن الماضي، مع وجود معظم جغرافيا العالم العربي تحت الاحتلال العثماني الذي دام نحو 400 عام. ومع نهاية حقبة الإمبراطورية العثمانية في عام 1923 بدأت المجتمعات العربية التحرك وإنشاء الأندية الرياضية،
وسجلت مصر أول حضور رسمي للعرب في الأولمبياد قبل سقوط الدولة العثمانية، بحيث شهدت دورة الألعاب الأولمبياد الصيفية في السويد ستوكهولم 1912 وجود اللاعب المصري البريطاني أحمد حسنين كأول حضور عربي في تاريخ الأولمبياد. ونال حسنين في مشاركته أولى ميداليات مصر والعرب، بحيث حصد برونزية المبارزة بسلاح الشيش.
واستمر الحضور العربي الوحيد متمثلاً بالمشاركة المصرية في أولمبياد أمستردام 1928، وحصدت البعثة المصرية في تلك الدورة ذهبيتين وميدالية فضية وأخرى برونزية.
وفي الدورة التالية 1932 لم تسجل أي حضور عربي، لتستأنف مصر حضورها المتألق في دورة برلين 1936 حاصدة 6 ميداليات متنوعة (ذهبيتين - فضيتين - برونزيتين) في رياضة رفع الأثقال.
ومع استئناف الألعاب الأولمبية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لمع الحضور العربي بوجود لبنان وسوريا والعراق، بالإضافة إلى مصر، في دورة لندن 1948. وشهدت هذه النسخة موقفاً عربياً لافتاً، بحيث هددت الدول العربية بالانسحاب من المشاركة في حال رفع علم الاحتلال الصهيوني الذي أعلن قيام كيانه في الأراضي الفلسطينية المحتلة في وقت سابق من العام نفسه، وتم استبعاد الوجود الصهيوني في تلك النسخة، وشهدت هذه الدورة الأولمبية استمرار مصر في حصد مزيد من الميداليات، بحيث نالت البعثة المصرية 5 ميداليات متنوعة في رياضتي رفع الأثقال والمصارعة الرومانية.
لبنان وتونس تتويج أولمبي مبكر
سجل لبنان تألقاً في حضوره الأولمبي الثاني في دورة هلسنكي 1952، وحصد في هذه الدورة ميداليتين (فضية وبرونزية) في مسابقة المصارعة الرومانية.
ليقاطع العرب الدورة التالية في عام 1956 بسبب العدوان الثلاثي على مصر.
في الدورات التالية اتسعت دائرة المشاركة العربية مع أول مشاركة أولمبية لتونس والمغرب والسودان، في دورة روما 1960، مع حضور الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، بالإضافة إلى لبنان والعراق، ونال الحضور العربي في هذه الدورة 4 ميداليات (فضيتين للجمهورية المتحدة والمغرب وبرونزيتين للجمهورية المتحدة والعراق).
وتألقت تونس في حضورها الأولمبي الثاني في دورة طوكيو 1964، وكانت الدولة العربية الوحيدة المتوجة، بحيث حصدت ميدالية فضية في سباق المسافات الطويلة عبر اللاعب محمد القمودي، وأخرى برونزية في رياضة الملاكمة.
واستمر تألق البطل التونسي محمد القمودي في الدورة التالية التي استضافتها العاصمة المكسيكية مكسيكو 1968. ومجدداً كانت الدولة العربية الوحيدة التي صعدت إلى منصة التتويج، بحيث نال القمودي ميدالية ذهبية وأخرى برونزية في سباقات الجري.
وشهدت دورة ميونيخ 1972 مشاركة الصومال والسعودية، للمرة الأولى، في الألعاب الأولمبية، ونال العرب في هذه الدورة ميداليتين فضيتين عبر تونس ولبنان أيضاً.
الانطلاقة الأولمبية للجزائر وسوريا
تراجع الحضور الأولمبي العربي في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في مونتريال 1976 ودورة موسكو 1980.
وقاطعت معظم الدول العربية دورة مونتريال احتجاجاً على مشاركة نيوزيلندا، الدولة المطبعة مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. واقتصرت المشاركة العربية على لبنان والكويت والسعودية من دون نيل أي ميدالية.
أما في دورة موسكو فكانت مقاطعة بعض الدول العربية نوعاً من الاحتجاج على الغزو السوفياتي لدولة أفغانستان. ولم يحرز العرب في هذه الدورة سوى ميدالية برونزية وحيدة كانت من نصيب لبنان.
وفي دورة الألعاب الأولمبية لوس أنجلوس 1984 اتسع الحضور العربي إلى 19 دولة. وسجلت هذه الدورة عودة المغرب إلى منصات التتويج بعد غياب 12 عاماً،
ورفعت العداءة نوال المتوكل أول ذهبية للمغرب كأول امرأة عربية تسجل اسمها في سجلات الأولمبياد، والذهبية الثانية كانت من نصيب العداء سعيد عويطة.
وحققت البعثة السورية أولى ميدالياتها الأولمبية، عبر جوزيف عطية، الذي نال فضية المصارعة الرومانية. وفي الدورة ذاتها سجلت الجزائر أول إنجازاتها من خلال ميداليتين برونزيتين في الملاكمة.
واستمر تألق الرياضيين المغربيين في دورات سيول 1988 وبرشلونة 1992، بحيث حقق المغرب في الدورتين 3 ذهبيات وفضية وثلاث برونزيات في ألعاب القوى،
بينما حققت الجزائر في الدورتين أولى ميدالياتها الذهبية في ألعاب القوى، وأضافت برونزية أخرى إلى سجلاتها في رياضة الملاكمة.
وشهدت الدورتان أيضاً أول تتويج لقطر وجيبوتي عبر ميداليات برونزية في سباقات ألعاب القوى.
وتميزت دورة أتلانتا 1996 بمشاركة 22 دولة عربية مع أول حضور رسمي لفلسطين، وحقق العرب في هذه الدورة 7 ميداليات، نالت منها سوريا أول ذهبية في تاريخها عبر اللاعبة غادة شعاع،
بالإضافة إلى ذهبيتين من نصيب الجزائر في رياضتي الملاكمة وألعاب القوى، وأربع برونزيات اقتسمتها الجزائر وتونس في رياضة الملاكمة، ونال المغرب ميداليتين في سباقات المسافات الطويلة.
حضور عربي مميز بين سيدني وطوكيو
شهدت الرياضة العربية الأولمبية في الفترة الممتدة من دورة سيدني 2000 إلى دورة طوكيو 2020 تحقيق حصيلة كبيرة من الإنجازات، وحصد الرياضيون العرب ما مجموعه 64 ميدالية متنوعة (16 ذهبية، 14 فضية، 34 برونزية).
عكست تلك النتائج الاهتمام الكبير الذي أولته اللجان الوطنية الأولمبية في العالم العربي للرياضيين والمنشآت الرياضية واتباع سياسة التجنيس في بعض البلدان العربية.
وتتربع مصر على رأس القائمة كأكثر الدول العربية تتويجاً برصيد 38 ميدالية (8 ذهبيات، 11 فضية، 19 برونزية)، تليها المغرب برصيد 24 ميدالية (7 ذهبيات، 5 فضيات، 12 برونزية).
وفي المركز الثالث تأتي الجزائر برصيد 17 ميدالية (5 ذهبيات، 4 فضيات، 8 برونزية)، وتونس رابعة برصيد 15 ميدالية (5 ذهبيات، 3 فضيات، 7 برونزية)، قطر خامسة برصيد 8 ميداليات (ذهبيتين، فضيتين، 4 برونزيات)، والبحرين في المركز السادس برصيد 4 ميداليات (ذهبيتين، فضيتين)، وسوريا في المركز السابع برصيد 4 ميداليات (ذهبية، فضية، برونزيتين)، الأردن في المركز الثامن برصيد 3 ميداليات (ذهبية، فضية، برونزية)، والكويت في المركز التاسع برصيد 4 ميداليات (ذهبية، 3 برونزيات)، وفي المركز العاشر الإمارات برصيد ميداليتين (ذهبية، برونزية)، ولبنان والسعودية في المركز الـ 11 بالعدد نفسه من الميداليات 4 (فضيتين، برونزيتين)، والسودان برصيد ميدالية فضية، وأخيراً العراق وجيبوتي برصيد ميدالية برونزية وحيدة لكل بلد.
ويشارك في نسخة الألعاب الأولمبية باريس 2024، كل الدول العربية الـ 22، عبر 460 لاعباً ولاعبة، وتُعَدّ البعثة المصرية الأكبر عربياً، ويشارك فيها 166 لاعباً ولاعبة.
مشاركة تُعَدّ الأكبر في تاريخ الحضور العربي، على أمل تحقيق إنجازات في مختلف ميادين الرياضات الأولمبية في العاصمة الفرنسية باريس.
مهند سلطون