
أفلام في الجونة: تأمّلات سينمائية تعطبها إطالة وثرثرة
إنْ يكن التأمّل سمة مشتركة بين ثلاثة أفلامٍ، مشاركة في الدورة الثامنة (16 ـ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025) لمهرجان الجونة السينمائي، وهذه سمة إيجابية، لما في التأمّل من تساؤلات وصمتٍ (غالباً) وحوار مع الذات أولاً،
فإنّ سمتين أخريين توصمان الأفلام هذه بشيءٍ من السلبيّ، لأنّهما تتحوّلان سريعاً إلى حاجز يُربك جماليات المُقدَّم، والمُقدَّم غالباً سينمائيٌّ: وفرة النهائيات، ما يطيل مدة كل فيلم، والإطالة لا لزوم لها، إذْ تصنع ثرثرة بصرية مُضجرة.
السلبيّ مُزعجٌ وثقيل الوطأة، والأهم أنّه غير سينمائي. رغم هذا، لن يحول دون لحظات مديدة من متعة المُشاهدة، لما تطرحه الأفلام من مسائل، بعضها يبدو لوهلةٍ ذاتياً ـ شخصياً، قبل انفتاحه على العام، مع الاحتفاظ بالذاتي ـ الشخصي أيضاً.
فالعلاقة بالموت، كما تلتقطه كريمة السعيدي (بلجيكية ذات أصل مغربي) في وثائقيها الجديد "المراقبون" (2025، مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة)، تبدأ حالةً شخصية تتمثّل بزيارة قريب في قبره، ثم تُصبح همّاً جماعياً.
فالمقبرة المُقامة في بروكسل، حيث يُدفن فيها مسلمون ومسيحيون ويهود وملتزمو ديانات أخرى، أكبر من أنْ تكون حضناً أخيراً لراحل/راحلة، بل حيّزاً لتعارف مع أحياء، ولتواصل مع غائبين/غائبات، ولابتكار طقوس وداعٍ تخرج، وإنْ قليلاً، من تقاليدها المستهلكة.
والمُراهَقَة لحظة زمنية مرتبكة، لكونها انتقالاً من طفولة إلى شباب، مع ما يعنيه الانتقال من رغبة في التعرّف إلى كل شيء وفهمه.
هذا في "دائماً" (2025، مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة)، للصيني ديمينغ تشين، الذي يرافق غونغ يوبين (ثمانية أعوام) في بحثه وتساؤلاته وتأمّلاته العفوية والطيبة، والهادئة ظاهرياً، هو المُقيم مع والده وجدّيه في ريف هونان (مقاطعة جبلية في جنوب الصين)، من دون والدته، التي تغادر نهائياً ببلوغه الأعوام الثلاثة.
في "دائماً"، هناك شعرٌ مكتوب على الشاشة، وكاميرا (تشين نفسه) تلتقط تفاصيل وهوامش كالتقاطها متن الحكاية والحالة والرحلة.
وهذا، رغم جمالياته السينمائية والدرامية والفنية (تصوير رائع للطبيعة الرمادية والروتين اليومي، إلخ)، يبلغ أكثر من نهاية، تُلغى من دون مُبرّر بصري، فتتكرّر النهايات، ويزداد ثبات العدسة إزاء لقطة، ويمتد الوقت إلى ما يُشبه اللانهاية (مع أنّ مدّة الفيلم 86 د. فقط).
أمّا الجفاف، فكارثةٌ تحلّ على الفلّاحَين كاك محمد الكردي ومشهدي أصغر الآذري، إذْ يُصيب أراضي زراعية لهما، ما يدفعهما، في البحث عن منافذ خلاصٍ، إلى تأمّل في أحوال الدنيا والذات والعيش والعلاقات والمشاعر.
هذا حاصلٌ في "غبار ناري" (2025، الاختيار الرسمي ـ خارج المسابقة) للإيراني إبراهيم سعيدي، المنشغل في توثيق هذا المُصاب والألم، رغم أنّ لحظات فرح تحلّ، بعد ريحٍ تحمل معها غباراً نارياً يقضي على الكرمة.
أكثر من نهاية تمرّ، والإطالة/الثرثرة البصرية طاغيان، ومسائل تُصوّر (عرس الابن) للقول إنّ جانباً إيجابياً موجودٌ، لكن إقحامه على السياق الأصلي مُضرّ بالنص الوثائقي السينمائي.