أجواء الحرب تخيّم على لبنان: إسرائيل تواصل تصعيدها "المقلق"
الرأي الثالث - وكالات
عادت أجواء الحرب إلى جنوب لبنان، حيث لا يمر يوم من دون سقوط قتلى وجرحى على وقع الغارات المتنقلة والمسيَّرات التي لا تفارق الأجواء،
وتواصل إسرائيل تصعيدها العسكري في لبنان، مستهدفة، اليوم الجمعة، سيارة في بلدة تول في محافظة النبطية، جنوبيّ البلاد، ما أسفر عن سقوط قتيلان، وذلك بعد سلسلة غارات طاولت أمس الخميس، الجنوب والبقاع، وأدت إلى سقوط 4 قتلا وعددٍ من الجرحى، بينهم طلاب مدرسة.
وأفادت وزارة الصحة اللبنانية في بيان لها، بأنّ الغارة على السيارة في بلدة تول أدت إلى سقوط قتيلان وإصابة مواطنين اثنين بجروح، وأغار الاحتلال صباحاً مرتين على حفارة في مدينة الخيام جنوبي لبنان، وذلك على وقع تحليق مكثّف لطائراته على علو منخفض في الأجواء اللبنانية.
هذا في وقت أكد فيه وزير الخارجية يوسف رجّي خلال زيارة له إلى الجنوب أن «الاعتداءات الإسرائيلية والنقاط الخمس العسكرية الإسرائيلية، تزيدنا تصميماً على ضرورة تحرير الأراضي اللبنانية ودعم الجيش اللبناني في جهوده لبسط سيادة الدولة وتطبيق قرار 1701، وتنفيذ قرار الحكومة بحصر السلاح في يد الدولة واستعادة قرار الحرب والسلم».
وقام رجّي بجولة تفقدية على متن طوافة تابعة لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، اطّلع خلالها على حجم الدمار الذي خلّفته الاعتداءات الإسرائيلية في القرى الحدودية، وتفقد الخط الأزرق والنقاط الخمس التي تحتلها إسرائيل، كما شملت الزيارة تحليقاً جوياً على الحدود وتفقداً للقرى المتضررة والدمار الهائل الذي سببته.
وعلى وقع التصعيد الإسرائيلي، تزداد المخاوف في لبنان من توسعة للعدوان، خصوصاً في ظل عدم وجود أي مؤشرات حالية للحلّ، ولا ضمانات دولية بوقف إسرائيل اعتداءاتها،
علماً أن السلطات اللبنانية تكثف من اتصالاتها ومشاوراتها من أجل تلافي أي سيناريو أمني كارثي، ولتأكيد موقفها المؤيد للتفاوض، وأهمية دور لجنة الاشراف على وقف العمليات العدائية "ميكانيزم" في هذه المرحلة.
وجال رئيس اللجنة الجنرال الأميركي جوزيف كليرفيلد، أمس الخميس، على المسؤولين اللبنانيين، مؤكداً لهم أنّ "اجتماعات اللجنة ستصبح دورية، بهدف العمل على تثبيت وقف الأعمال العدائية في الجنوب".
وقالت مصادر رسمية لبنانية ، إن "لبنان طلب من رئيس اللجنة، ومن رعاة اتفاق وقف إطلاق النار، الولايات المتحدة وفرنسا، التدخل لدى إسرائيل لوقف اعتداءاتها، ووقف خروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وسيواصل مطالبته بذلك، فلبنان لا يريد الحرب، وهو متمسّك بضرورة بدء مسار تفاوضي بعد وقف الاعتداءات".
ولفتت المصادر إلى أن "هناك ترقّباً لزيارة سيقوم بها الموفد الأميركي توماس برّاك إلى لبنان قريباً، لكن لا موعد رسمياً مُحدّداً بعد، وقد تكون هذه الجولة مهمة وأساسية في هذه المرحلة، إذ إنّ الحراك مطلوب للدفع نحو حل دبلوماسي لا عسكري"،
وأشارت المصادر إلى أن "المخاوف تبقى موجودة من توسعة إسرائيل عدوانها، فيمكن توقع كل شيء منها، لكن لبنان يكثف اتصالاته لمحاولة تلافي ذلك، ويأمل في أن تثمر في أسرع وقت"،
مشدّدة على أن "إسرائيل تحاول أن تضغط على لبنان بالنار، للرضوخ والقبول بشروطها، لكن لبنان التزم باتفاق وقف إطلاق النار، وقام بخطوات على صعيد حصرية السلاح بيد الدولة، والجيش اللبناني سيقدم تقريره الثاني حول خطته الشهر المقبل، والعمل يجري على أن يكون جنوب الليطاني منزوع السلاح نهاية العام الجاري،
وهذه كلّها خطوات يجب أن تُأخذ بعين الاعتبار وتدل على جدية لبنان بتنفيذ التزاماته".
على صعيدٍ ثانٍ، اعتبرت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت، في بيان، لمناسبة "يوم الأمم المتحدة"، أنه "بينما تكمل الأمم المتحدة عامها الثمانين في ظل سعي دؤوب إلى التغيير والإصلاح، يمرّ لبنان بمرحلة مفصلية من تاريخه الحديث ستحدّد مساره المستقبلي.
وفي الوقت عينه، تستمر التحولات الإقليمية الكبرى والقوى العالمية في رسم مشهد أمني وجيوسياسي جديد"، وقالت بلاسخارت "يحلّ يوم الأمم المتحدة هذا العام في ظل حالة من عدم اليقين يمرّ بها لبنان.
فبعد تصاعد الأعمال العدائية في العام 2024، بذلت السلطات اللبنانية والقوات المسلحة اللبنانية جهوداً كبيرة أعادت الحياة لعدد من بنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 (2006) بعد سنوات من الجمود.
ومع ذلك، لا يزال الجنوب اللبناني يعاني من دمار واسع، في ظلّ نقص حاد في التمويل، واستمرار حالة عدم اليقين بشأن ملامح المرحلة المقبلة، الأمر الذي يخلق سياقاً يتعذر معه مطالبة اللبنانيين بمواصلة التحلّي بالصبر".
وتابعت "لقد خلّف التاريخ آثاراً لا تُمحى، ولا تزال الأسباب الجذرية للأزمات المتكرّرة في الماضي دون معالجة حقيقية. ومع ذلك، فإنّ الجهود الجماعية لدعم مسيرة لبنان الشاقة والشجاعة لا تزال مستمرة.
ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً ويتطلب عملاً دؤوباً، على المستويين الداخلي والإقليمي، فقد أكد لبنان بوضوح أنه لا عودة إلى الوراء عن مسار التقدّم الذي اختاره. لقد عانى لبنان، على مدى تاريخه، من إخفاقات سياسية واقتصادية ممنهجة، لكن شعبه لم يكن يوماً مصدر هذا الفشل".
وشددت بلاسخارت على أنّ "الأمم المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الدولة اللبنانية وشعبها، سعياً لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع".
من جانبه، قال الرئيس اللبناني جوزاف عون "24 تشرين الأول، إنه يوم الأمم المتحدة، يوم الذين تعهدوا قبل 80 عاماً على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب وعلى العيش معاً في سلام وحسن جوار، وعلى الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد، وبالحقوق المتساوية لجميع الأمم كبيرها وصغيرها"،
وأضاف "كأنه ميثاق عن رسالة لبنان وعن نضال لبنان، من أجل سيادة دولته واستقلال قراره وحرية شعبه".
ضغط وتصعيد مفتوح
وتضع مصادر وزارية هذا التصعيد العسكري في خانة الضغط على لبنان من دون أن تستبعد تسارع الوتيرة، معوّلة في ذلك على ما ستقوم به لجنة مراقبة وقف إطلاق النار التي يفترض أن تستأنف اجتماعاتها مع الجنرال الأميركي الجديد، الأربعاء المقبل.
من جهته، يقول اللواء الركن المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي، إنه «يمكن القول اليوم إننا دخلنا في مرحلة الضغط العسكري على لبنان؛ وذلك انطلاقاً من أن الأهداف التي تُقصف ليست أهدافاً جديدة، والأشخاص الذين يتم اغتيالهم ليسوا مسؤولين أو قياديين إنما عناصر في الحزب أو مؤدون له».
ويضيف: «التصعيد اليوم هو لأهداف سياسية، وذلك عبر إثارة الرعب في صفوف بيئة (حزب الله)، والضغط على الدولة اللبنانية للذهاب إلى المفاوضات بالشروط الإسرائيلية».
أما عن مدى هذا الضغط، فيقول شحيتلي: «السقف مفتوح لأن الهدف الوصول إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الشروط».
وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي على حسابه على منصة «إكس»: اكتمل مساء أمس (الخميس) تمرين مكثف استمر خمسة أيام لقوات جيش الدفاع بقيادة الفرقة 91 بهدف رفع مستوى الجاهزية لسيناريوهات الطوارئ القصوى في مجال الدفاع، والاستجابة السريعة للأحداث المفاجئة،
بما في ذلك استدعاء قوات الاحتياط وحشد القوات، والانتقال إلى الهجوم، وكل ذلك مع استخلاص العِبر والدروس من عامين من القتال في الساحات كافة».
وأضاف: «تم تكييف سيناريوهات التمرين وفق الوضع بعد القتال في جنوب لبنان، والذي خلاله تضررت القدرات العملياتية لمنظمة (حزب الله) الإرهابية، وشملت السيناريوهات تدريباً على التعاون بين المقاتلين المكلّفين بمهمة الدفاع في المنطقة، وسلاح الجو وسلاح البحرية، بالإضافة إلى وحدات الدفاع، والمجالس المحلية، وقوات الأمن الموازية».
وأشار أيضاً إلى أنه تم تدريب «قوات اللوجيستيات والطبية والتكنولوجيا والصيانة على سيناريوهات إخلاء الجرحى تحت النيران وتقديم الدعم اللوجيستي والصيانـي والتقني في حالة الطوارئ.»، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي «سيواصل العمل لإزالة أي تهديد على دولة إسرائيل، وبالتوازي سيستمر بالاستعداد لمجموعة متنوعة من السيناريوهات، والحفاظ على الجاهزية، وتحديث الخطط العملياتية».