تصعيد حوثي باقتحام مكتب غروندبرغ... وتحذير غربي من عرقلة الإغاثة
الرأي الثالث - متابعات
حذر مصدر غربي مطلع من مغبة الإجراءات التي يجريها الحوثيون ضد موظفي الإغاثة ومكاتب المنظمة الدولية وأصولها. واستدل المصدر بأن غالبية المستفيدين من عمليات الأمم المتحدة في اليمن الذين يتجاوز عددهم 19 مليون شخص، يعيش معظمهم في مناطق تسيطر عليها الجماعة في اليمن.
وقال المصدر الغربي: «هذا الهجوم ممنهج ولا يستهدف فقط الأشخاص كما تدعي الجماعة، وهو صادر من أعلى هرم في قيادتها».
ورغم الاقتحام، لم يتم خطف موظفين من مكتب المبعوث الأممي لليمن باستثناء موظف واحد تم احتجازه في يونيو (حزيران) 2025، وما زال محتجزاً حتى الآن.
ووفق مصادر في الحكومة اليمنية، أشرف القياديان الحوثيان محمد الوشلي وصقر الشامي على اقتحام مكتب المبعوث الخاص لليمن هانس غروندبرغ ومكتب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، كما اعتقلوا دفعة جديدة من الموظفين المحليين.
وكان فرحان حق المتحدث باسم الأمم المتحدة قال إن إجراءات الحوثيين ضد موظفي المنظمة الدولية «تشمل الاقتحام القسري واحتلال مقارّ الأمم المتحدة، والاستيلاء على الأصول، والاحتجاز التعسفي المتكرر لموظفي الأمم المتحدة، حيث لا يزال 55 منهم رهن الاحتجاز، بينهم اثنان تم احتجازهما (يوم السبت)».
وبحسب المصدرين الحكومي والغربي، فإن الحوثيين صادروا محتويات المكتبين وخوادم التخزين الرقمية لكاميرات المراقبة، وتمركزوا فيهما كما فعلوا مع بقية المكاتب الأخرى من قبل، كما استأنفوا حملة الاعتقالات بحق موظفين إضافيين لدى مكاتب الأمم المتحدة، ومن بينهم موظفة علاقات عامة لدى برنامج الأغذية العالمي كانت تتلقى العلاج بعد عملية ولادة مبكرة، حيث داهمت عناصر الشرطة النسائية الحوثية المعروفة باسم «الزينبيات» منزلها، وتم اقتيادها إلى جهة مجهولة.
ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مسؤول حوثي تأكيده أنه «تم توقيف امرأتين تعملان في برنامج الأغذية العالمي من منزليهما، السبت، كما تم توقيف رجل يمني يعمل في المنظمة نفسها مساء السبت».
وزعم المصدر في حديثه للوكالة، أنه لا تزال لدى الجماعة قائمة لم تنتهِ في توقيف المتورطين بالتخابر مع إسرائيل وأميركا.

اقتحام الحوثيين لمكتب المبعوث الأممي يضعف آمال استئناف مسار السلام (إعلام محلي)
ويقرأ المصدر من صنعاء إقدام الحوثيين على هذه الخطوة بعد يوم واحد فقط من تكليف شريم بقيادة جهود الأمم المتحدة للإفراج عن موظفيها المعتقلين، بمثابة انتقاص من القرار الأممي الذي تعدّه الجماعة «خطوة شكلية»، وقال المصدر الذي لا يستطيع الكشف عن هويته: «المشكلة أعمق من مجرد تعيين مبعوث أو وسيط، لأن الحوثيين لا يعترفون بأي التزامات دولية».
مخاطر متعددة
بالتزامن مع هذه التطورات، دعا ناشطون يمنيون، الموظفين المحليين الحاليين والسابقين لدى الأمم المتحدة أو المنظمات الإغاثية، إلى سرعة مغادرة مناطق سيطرة الحوثيين، لأنهم سيكونون عرضة للاعتقال.
واتهم الناشطون الأمم المتحدة بالتخلي عن المعتقلين المحليين، وقالوا إنه وبمجرد أن احتجز الحوثيون موظفين أجانب تابعين للأمم المتحدة، جنّ جنون العالم وسارع إلى إطلاق سراحهم، أما الموظفون المحليون فلا أحد يهتم لأمرهم.
وأكدت مصادر مطلعة في صنعاء أن مكاتب الأمم المتحدة، وعلى الأخص برنامج الغذاء العالمي، تفكر جديّاً في تسريح الموظفين المعتقلين لدى الحوثيين وإنهاء عقودهم.

تقديرات بأن عدد المعتقلين لدى الحوثيين من موظفي الأمم المتحدة يزيد على 60 شخصاً (إ.ب.أ)
وذكرت المصادر أن البرنامج أنهى عقود 4 موظفين حاليين غير معتقلين، ما يفقدهم الحماية الأممية، ويجعلهم عرضة فورية للاعتقال من قبل الحوثيين.
وبحسب عاملين في مجال الإغاثة، فإن مثل هذا الإجراء يمثل تنصلاً واضحاً من المسؤولية، ومحاولة للتهرب من التبعات القانونية والمالية والأخلاقية، ويجعل الموظفين المحليين المعتقلين منهم، أو من لم يُعتقلوا في مواجهة مباشرة مع تهم خطرة؛ مثل «التجسس والعمالة لإسرائيل»، وهي تهم زائفة تُستخدم عادة لتبرير إصدار الحوثيين أحكاماً بالإعدام، أو السجن لسنوات طويلة.
وطالب الناشطون اليمنيون الأمم المتحدة بالتراجع فوراً عن قرار فصل الموظفين، أو التفكير في تسريح المعتقلين، وتفعيل وضعهم الوظيفي، وتوفير الحماية القانونية والدعم النفسي اللازم لهم.
ورأوا أن التفكير الجدي في فصل الموظفين المعتقلين، يمثل ضربة قاضية لمبدأ الحياد الإنساني، ويؤكد أن المنظمة لم تعد قادرة على حماية أولئك الذين يحملون رايتها في أخطر بقاع الأرض، ووصفوه بأنه اختبار لمصداقية المنظمة الأممية في التعامل مع أشد الانتهاكات في حقوق موظفيها.
تهديدات متصاعدة
في خضم هذه الانتهاكات، أكدت الجماعة الحوثية أنها تعكف على مراجعة وتقييم الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة مع المنظمات الدولية، وإعادة النظر فيها، للتعامل مع المستجدات والمهددات أمنياً وسياسياً، لضمان تعزيز الإشراف على الأنشطة الإنسانية، وعدم تكرار حادثة استهداف حكومتها الانقلابية.
وأعاد الحوثيون ترديد المزاعم التي نفتها الأمم المتحدة والحكومة المعترف بها دولياً، بأن بعض الموظفين شاركوا في استهداف حكومتهم من خلال رصد الاجتماع الحكومي وإبلاغ تل أبيب ومواكبة العملية.

الجماعة الحوثية تسعى للسيطرة الكلية على الإغاثة وتوجيهها لخدمة أنصارها (إعلام محلي)
وادّعت الجماعة المتحالفة مع إيران أنها ضبطت لدى المكاتب الأممية «أجهزة ووسائل رصد واستهداف وأجهزة تقنية لاختراق الاتصالات الوطنية وإمكانات تجسسية تستخدمها أجهزة الاستخبارات العالمية».
من جهته، قال وزير الإعلام معمر الإرياني، إن الجماعة تواصل تصعيد حملتها التحريضية الممنهجة ضد موظفي الأمم المتحدة ووكالاتها الإغاثية والمنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرتها، «عبر فبركة التهم وتلفيق الأكاذيب، في إطار مخطط واسع لتضليل الرأي العام المحلي وتبرير حملات الاختطاف والإخفاء القسري بحق العاملين في المجال الإنساني».
ورأى الوزير في تصريح رسمي، أن الادعاءات الحوثية تأتي امتداداً لحملة التحريض التي شنها قادة الجماعة باتهام الأمم المتحدة وموظفيها بالتجسس، مؤكداً أن هذه المزاعم «تكشف عن نية مبيتة لإخضاع المنظمات الدولية لابتزاز الميليشيا السياسي والمالي».