حصار ما بعد الهدوء.. الاحتلال يواصل الحرب الإنسانية على غزة
الرأي الثالث - وكالات
يتمسك الاحتلال الإسرائيلي بمنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة رغم وقف إطلاق النار، ما يشكل انتهاكاً واضحاً لالتزاماته القانونية والأخلاقية، ويؤكد تجاهله الصارخ للنداءات المتكررة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والجهات الإقليمية.
ويُبقي ذلك المشهد الإنساني قاتماً بعد أشهر من الدمار والتهجير، إذ يستمر خضوع المعابر لأهواء التعطيل الإسرائيلية التي تواصل محاولات كسر إرادة الفلسطينيين، وتجريدهم من أبسط مقومات الحياة الكريمة كي تبقى غزة شاهدة على مفارقة قاسية تفيد بأن وقف إطلاق النار لم يوقف المعاناة، بل غيّر شكلها فقط.
تتفاقم المعاناة اليومية في القطاع حيث يعيش السكان الذين يعانون أصلاً من معدلات عالية للفقر وسوء التغذية تحت وطأة النقص والحرمان وارتفاع الأسعار، ويواجهون واقعاً اقتصادياً واجتماعياً أقسى يوماً بعد آخر.
ويعكس استمرار هذا النهج جوهر السياسة الإسرائيلية القائمة على إبقاء غزة في حالة اختناق دائم، وواقع أن لا حرب كاملة ولا سلام حقيقي، بل إدارة ممنهجة للأزمة بهدف إضعاف البنى المجتمعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني،
وذلك رغم كل النداءات الدولية التي تطالب بفتح المعابر وتسهيل وصول المساعدات من دون قيود.
ورأى مطلعون أن "التعطيل المتعمّد لدخول شاحنات محمّلة بمواد غذائية وطبية بموجب معايير أمنية إسرائيلية ضبابية، أداة ضغط سياسي لفرض وقائع على الأرض تجعل المدنيين يدفعون وحدهم ثمن الحسابات السياسية".
وقالت المتحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مها الحسيني لـ"العربي الجديد": "ينتهك الاحتلال الإسرائيلي بنود الاتفاق مباشرة وبشكل واضح،
ويستمر في ممارسة سياسة الإبادة الجماعية بضجيج أقل. ربما خفّت وتيرة القتل الجماعي للمدنيين، لكن الاحتلال يواصل تنفيذ نهج تقييد دخول المساعدات الإنسانية، وتقنين دخول البضائع، ومنع إعادة الإعمار، وتقييد دخول المعدات الثقيلة لإزالة الركام".
وشددت على "وجود إرادة إسرائيلية واضحة لإبقاء غزة في حالة حرب دائمة عبر استدامة التأثيرات الكارثية والمتواصلة للعدوان، ولن تحل هذه الأزمات إذا لم يوضع حدّ لاحتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية، وفك الحصار عن غزة".
تابعت: "يواجه أهالي قطاع غزة حرباً صامتة في وقت يحاولون فيه البقاء على قيد الحياة وسط غياب الاهتمام الدولي والعالمي الذي يريد الاحتلال أن يستمر لإبقاء السكان في حالة عدم أمان غذائي تام،
فالأزمات القاسية، مثل الجوع والحرمان، لا تحل بمجرد إدخال بعض المساعدات والبضائع التي تبقي السكان رهن إغلاق المعابر وارتفاع الأسعار واختفاء السلع،
وبالتالي رهن الشعور بخوف دائم من عدم الاستقرار، ومن الجوع الذي قد يفتك بهم مجدداً كما حصل في الأشهر الماضية".
وأوضحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنها تملك مواد غذائية تكفي غزة لمدة ثلاثة أشهر، لكنها ممنوعة من دخول القطاع ما يجعل السكان يدفعون الثمن.
أما الدفاع المدني فقال إنه "لا تغيير على الأرض سوى دخول عدد من الشاحنات لا تلبي احتياجات السكان المنكوبين".
وقال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم، اليوم الأحد، إن الاحتلال الإسرائيلي يصرّ على مواصلة خروقاته لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم برعاية دولية،
مشيراً إلى أن تلك الخروقات تجري "على مدار الساعة"، وتشمل عمليات القتل المباشر بحق المدنيين، إلى جانب استمرار الحصار وإغلاق معبر رفح، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية بالمستوى الذي تم الاتفاق عليه مسبقاً.
وأضاف قاسم أن "عدد الشهداء الذين سقطوا جراء هذه الانتهاكات منذ بدء الاتفاق يقترب من 90 شهيداً"، معتبراً أن ذلك "دليل واضح على أن الاحتلال لا يزال يتعامل بعقلية الحرب والإبادة، رغم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار".
وبحسب الناطق باسم حماس فإن "العملية التي زعم الاحتلال فيها الليلة الماضية اغتيال أحد المقاومين تمثل خرقاً صارخاً لبنود الاتفاق، ومحاولة إسرائيلية لتقويض أجواء التهدئة"،
لافتاً إلى أن "مزاعم الاحتلال بشأن تحضير الشهيد لعمل ميداني ضد قواته ما هي إلا كذب صريح لتبرير الجريمة أمام المجتمع الدولي".
وشدد قاسم على أن استمرار هذه الانتهاكات يهدد بشكل مباشر فرص تثبيت الهدوء وتنفيذ الاتفاق على الأرض"، قائلاً إن "هذه الخروقات لا توفر الأجواء اللازمة لاستمرار الهدوء وتطبيق الاتفاق".
وبيّن قاسم أن قيادة الحركة تجري "اتصالات مكثفة ومتواصلة مع الوسطاء الإقليميين والدوليين، وفي مقدمتهم مصر وقطر والولايات المتحدة"، لإطلاعهم على تفاصيل هذه الانتهاكات،
مبيناً أن الوسطاء يبذلون جهوداً كبيرة مع الاحتلال والإدارة الأميركية من أجل ضمان التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، لكن الأخيرة تواصل المماطلة والتهرب من تنفيذ التزاماتها.
وفي ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، أكد قاسم أن الاتفاق نص بوضوح على إدخال مساعدات كافية بشكل يومي لتلبية احتياجات سكان القطاع،
إلا أن الاحتلال لم يلتزم حتى الآن بتطبيق هذا البند، وما زال يرفض السماح لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بالقيام بدورها الإنساني في القطاع.
ووفقاً للناطق باسم حماس فإن المطلوب اليوم هو "تدفق مستمر ومنظم للمساعدات الإنسانية، بإشراف مؤسسات أممية مختصة، لضمان وصولها إلى مستحقيها دون تدخل أو ابتزاز سياسي من قبل الاحتلال".
وفي ما يتعلق بإعلان مؤسسة "غزة الإنسانية" جاهزيتها للعمل من جديد في القطاع، أكد قاسم أن "هذه المؤسسة كانت غطاء لارتكاب جرائم ضد شعبنا وستكون مرفوضة عودتها للعمل وتم الاتفاق على وقف عملها وفتح المجال أمام المنظمات الدولية لتنظيم عملية المساعدات والإغاثة".
وفي وقت سابق، أفادت "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي شركة أمنية أميركية أدارت عملية توزيع المساعدات في قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة من حرب الإبادة، بأنها على استعداد لاستئناف شحنات المساعدات إلى القطاع في ظل اتفاق وقف إطلاق النار.