توغل إسرائيلي في الجنوب السوري... ودمشق مصرة على الدبلوماسية
الرأي الثالث - وكالات
تعمل القوات الإسرائيلية على فرض وقائع جديدة في الجنوب السوري خصوصاً في محافظة القنيطرة الحدودية، من خلال التوغلات التي تقوم بها على نحوٍ يوميّ تقريباً، والتي تتزامن مع تثبيت نقاط عسكرية أقامتها منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وعمليات اختطاف واعتقال المدنيين من أهالي المنطقة،
فضلاً عن تهجير القرى التي تفشل في استمالتها وإقامة حزام ديمغرافي غير معادٍ لها في القطاع الشمالي من القنيطرة وصولاً إلى الحدود اللبنانية.
ومقابل التغوّل الإسرائيلي، لا تزال الحكومة السورية مصرّة على ضرورة بذل جهود دبلوماسية لوقفه،
وفي هذا السياق جاءت مطالبة مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك الحازم لوقف ممارسات إسرائيل في سورية، ووضع حدّ لاعتداءاتها.
وحثّ علبي، في جلسة لمجلس الأمن بشأن الوضع بالشرق الأوسط، أول من أمس الخميس، على إلزام السلطات الإسرائيلية بسحب قواتها من الأراضي السورية بما فيها الجولان المحتل، والمناطق التي توغلت فيها أخيراً،
مؤكداً رفض سورية للذرائع التي "يسوقها الاحتلال الإسرائيلي لتبرير جرائمه"، والتي قال إنها تهدف لتقويض أمن سورية واستقرارها.
انتهاكات في الجنوب السوري
وتواصل قوات الاحتلال منذ يونيو/حزيران الماضي عمليات تجريف واقتلاع أشجار السنديان المعمرة في محمية جباتا الخشب شمال محافظة القنيطرة في الجنوب السوري وتقوم بنقل بعض الأنواع منها إلى داخل فلسطين المحتلة.
وقال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إنّ ما تقوم به إسرائيل في القنيطرة، من اقتلاع أشجار السنديان في محمية جباتا الخشب واعتقال المدنيين، يشكّل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ولا سيّما التزامات قوة الاحتلال بحماية البيئة والثروات الطبيعية وصون الحقوق الأساسية للسكان،
وأضاف أنّ "اقتلاع الأشجار والعبث بالمحميات الطبيعية محظور ما لم تبرّره ضرورة عسكرية ملحّة ومباشرة، وهو ما لا ينطبق على ممارسات تهدف إلى نقل الأخشاب أو استغلالها اقتصادياً،
كما أن الأضرار البيئية الممنهجة قد ترقى إلى جريمة حرب متى اتسمت باتساع النطاق أو أحدثت تغييراً بنيوياً في الهوية البيئية والديمغرافية".
وأكّد عبد الغني أنّ الاعتقالات التعسفية بحق المدنيين والصحافيين تقوّض الضمانات الجوهرية لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تقيّد أي تقييد للحرية بضرورات أمنية ضيقة وتُلزم بكفالة إجراءات عدلية ورقابة إنسانية.
ورأى أنّ الدولة السورية وحلفاءها لديهم مسارات قانونية ودبلوماسية متعدّدة لمساءلة هذه الانتهاكات، من بينها إثارتها أمام محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن حيثما أمكن، وتعبئة هيئات الأمم المتحدة لفرض ضغط سياسي ووقف الانتهاكات، مع توثيق دقيق ومنهجي يهيّئ لاستخدام الأدلة في آليات المساءلة والتقارير الأممية.
من جانبه، رأى الناشط محمد أبو حشيش، أنّ محاولة الاحتلال تغيير النظام البيئي في القنيطرة يستهدف جعلها غير صالحة للسكن، إضافة إلى الإفادة من هذه الأشجار.
واعتبر أن هذا يندرج في إطار خطط الاحتلال للتغيير الديمغرافي في المنطقة الحدودية، ودفع سكان بعض القرى للنزوح والهجرة منها، خصوصاً القرى الحدودية التي لا تتعاون مع الاحتلال، وترفض تلقي المساعدات التي يقدمها من غذائية وطبية،
حيث حاولت هذه القوات في الفترات الماضية شراء رضى السكان عبر هذه المساعدات لربطهم بالاحتلال وتأليبهم على الحكومة في دمشق،
ملقياً في الوقت نفسه باللوم على الحكومة السورية التي تركت سكان تلك المناطق الحدودية يواجهون مصيرهم بأنفسهم، بدون أي حضور لها في المنطقة.
فرض واقع جديد
ومن الإجراءات التي تستهدف التضييق على السكان ومحاولة طردهم من المنطقة، إغلاق قوات الاحتلال مدخل مدينة القنيطرة المهدمة بسواتر ترابية عالية، لتتحول المدينة إلى شبه خالية من السكان، خصوصاً مع إقامة نقطة عسكرية إسرائيلية ثابتة فيها.
كما وضعت تلك القوات بوابة غرب قرية رسم الرواضي، يمكن من خلالها إغلاق المنطقة وفصل قرى ريف القنيطرة الشمالي المحاذية لشريط فضّ الاشتباك عن قرى الريف الأوسط المحاذية للشريط، ما يقسم المحافظة جغرافياً إلى كانتونات معزولة مع تحويل آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والمراعي إلى مناطق عسكرية مغلقة ومحظورة على نحوٍ كامل.
وتنتشر اليوم على طول خط وقف إطلاق النار، الذي كان يُعرف بـ"خط ألفا" و"خط برافو"، قواعد عسكرية إسرائيلية جديدة أقيمت بعد سقوط نظام الأسد، وُضعت بالقرب منها بوابة صفراء،
وهي بمثابة إعلان رسمي أنّ ما وراءها هو "منطقة عسكرية مغلقة"، يُمنع على أي مدني سوري الاقتراب منها،
يضاف إلى ذلك نقاط التفتيش المؤقتة التي تنشرها قوات الاحتلال على نحوٍ شبه يومي على الطرقات الواصلة بين القرى لتفتيش المارة والتدقيق في هوياتهم واختطاف بعضهم في بعض الحالات، وكل ذلك بهدف مضايقتهم ودفعهم للنزوح.
ورأى الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، أنّ إسرائيل تريد من تطوير تحركاتها العسكرية في الجنوب السوري والانتقال من الدوريات إلى إقامة النقاط والقواعد العسكرية مع استمرار الدوريات إلى فرض أمر واقع جديد وتحقيق أهداف عديدة، منها المراقبة والاستطلاع لجمع معلومات آنية عن تحركات القوات السورية، تحديد مواقع الضعف، ورصد أي نشاط عسكري في الأراضي السورية القريبة،
كما تريد إعادة فرض النفوذ وإظهار السيطرة، لإشعار السكان المحليين بأنها تراقب الميدان، ما يفرض حالة من الخشية والالتزام من أي تحرك محلي معادٍ.
وأضاف حوراني أن إسرائيل تريد فرض ضغط نفسي وعسكري، يؤدي إلى تقييد حرية التنقل والزراعة والرعي في المناطق الحدودية، ما يُقيّد النشاط المدني ويُضعف تماسك المجتمع المحلي، وقد يدفع بعضهم للنزوح.
ولفت إلى هدف آخر للاحتلال، وهو تهيئة الاستيطان أو السيطرة الأرضية، من خلال تثبيت مواقع مؤقتة أو نقاط تفتيش في قرى أو أراضٍ، تُهيّئ هذه الدوريات لضم تدريجي أو لتوسيع رقعة السيطرة.
وتابع أن الاحتلال يسعى لفرض تهديد، فوجود الدوريات يشكل تهديداً مباشراً على المدنيين إن حصلت مشكلات أو حوادث، كما يضغط على الدولة السورية والأمم المتحدة للردّ أو الاتهام والشكوى،
وختم بالقول إنّه مع كل الحراك الإسرائيلي في الجنوب السوري العسكري والاستخباراتي والاقتصادي، لا نرى حضوراً ملحوظاً للدولة السورية في المنطقة، وتكتفي بإصدار بيانات في الفينة والأخرى، ودعوة المجتمع الدولي للتدخل.