
هرب من الحوثي فلاحقه الموت... رحيل مرير للفنان اليمني "عنبة"
حاول الفنان الشعبي علي عنبة أن ينتقل بصوته وأوتار عوده إلى القاهرة ليواصل مسيرة فنه الطويل بحثاً عن فضاء جديد للغناء وفرص العيش، التي ضاق بها أفق الحياة في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين،
إلا أن المنية لم تمهله سوى بضعة أيام منذ بحثه عن الأمان والاستقرار الذي وجده في مصر، قبل أن يغادر الحياة بنوبة مفاجئة نتيجة ارتفاع سكر الدم.
لم تكن نوبة السكر سوى فصل نهائي لمرارات عصيبة ذاقها الفنان الشعبي الشهير خلال أيامه الأخيرة بفعل سلسلة من الظروف التي واجهها، ليس آخرها التضييق الرهيب على الغناء والحياة داخل مناطق سيطرة الجماعة الأصولية التي تجرم كل صوت لا يجاهر بتقديس نهجها الطائفي،
إضافة لدخوله في مشكلات مركبة منها تقاضيه الطويل في محاكم صنعاء بعد إجراءات الحجر على جزء من مدخل منزله، وهو ما شكا منه مراراً ضمن مقاطع فيديو موثقة انتقد فيها طول انتظاره الذي تجاوز ستة أعوام للحكم النهائي، وتسبب ذلك بدخوله في معاناة أليمة.
أحمال الأعوام
مصدر ثقافي مسؤول في السفارة اليمنية لدى القاهرة أكد أن عنبة توفي إثر نوبة سكر حادة داهمته بصورة مفاجئة، مما أدى إلى وفاته على الفور على رغم محاولات إسعافه.
وأوضح أن الفنان الراحل أقام أخيراً في القاهرة "على أمل التحضير لأعمال فنية جديدة والانطلاق مجدداً في مجاله عقب أعوام من الخوف والتضييق عاناها، ومعه كل العاملين في القطاع الفني والإبداعي داخل مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، قبل أن تفاجئه الأزمة الصحية التي أنهت حياته".
ويشير المصدر إلى أن "الفنان عنبة تعرض كغيره من الفنانين للتضييق، بسبب الإجراءات الحوثية التعسفية والقرارات التي أفقدتهم أعمالهم، والتي كان آخرها منع إقامة "السهرات الليلية" في صالات الأفراح بصنعاء،
مما تسبب بقطع دخله كاملاً كونه يعتمد في حياته على إحياء حفلات الزفاف المسائية، وهو ما دفعه للهجرة وترك صنعاء للمرة الأولى التي عاش وترعرع واشتهر فيها".
الجوع والحاجة
وعنبة من الأصوات اليمنية التي برعت في اللون الصنعاني مع الجمع بين التراث الغنائي والبصمة الخاصة، التي ابتدعها في الأداء منذ أن بدأ مشواره الفني منذ عقود، وقدم ما يزيد على 13 ألبوماً شعبياً كان آخرها بعنوان "يا هاجري".
ويحظى بشهرة ومكانة واسعة في أوساط الجمهور، واشتهر بتصدره قائمة الفنانين المطلوبين لإحياء الحفلات الخاصة داخل وخارج اليمن، قبل أن تمنع الميليشيات الحفلات الغنائية في الأعراس والمناسبات الخاصة والعامة واقتصارها على ساعات آخر النهار فقط،
وهو ما أدخله ومعه قطاع الفنانين في معاناة من البطالة والحاجة، أكدتهما مقاطع فيديو لعدد من الفنانين شكوا خلالها بمرارة من الجوع والحاجة اللذين يكابدونهما داخل مناطق الميليشيات التي تستأثر بكل إيرادات الدولة التي تقع تحت يدها، وتستميت رفضاً صرف رواتب الموظفين في القطاعات كافة.
منع الغناء
ومن صور التضييق على قطاع الفنون وأهله، سبق وشنت جماعة الحوثي حملات عدة لمنع حفلات الزواج الليلية وحفلات التخرج المختلطة في الجامعات، ووضعها شروطاً على مواصفات ملابس الطالبات، ومنعها رباط الخصر في الملابس النسائية،
إضافة إلى إعلان مكتب الصناعة التابع للجماعة في صنعاء منتصف عام 2021 ضبط وإتلاف 750 من ملصقات الملابس النسائية الداخلية، بعد حملة شرسة شنها مسلحوها استمرت لمدة ثلاثة أيام داخل الأحياء التجارية، امتداداً لحملات سابقة طاولت مجسمات "الفترينات" بيع الملابس الداخلية المنتشرة في الأسواق والمراكز التجارية، التي حُطمت باعتبارها من "المنكرات التي تدعو إلى التفسخ والانحلال".
ومن جملة الإجراءات التي تفرضها على الشعب داخل مناطق سيطرتها تحت مسمى "الحفاظ على الهوية الإيمانية"، سبق وأصدرت "لجنة الزواج" المستحدثة من قبل الجماعة المنقلبة على الدولة خلال عام 2014 تعميماً يحدد المواعيد المتاحة لإقامة حفلات النساء على أن تنتهي عند الساعة الثامنة والنصف مساء،
إضافة إلى منع استخدام مكبرات الصوت إلى خارج القاعة، وهي السلوكات التي عدها مراقبون استنساخاً لما ينتهجه النظام الإيراني.
وشدد التعميم الحوثي على مشرفيهم في الحارات والمناطق بالإبلاغ عن المخالفين لتلك التعليمات، والتعاون مع لجنة الزواج ورفع قوائم بأسماء أصحاب الأعراس في كل حي وحارة ومربع وبصورة مستمرة، ولم تنس أن تتوعد كل من يخالف هذه التعليمات بالعقوبة التي تتضمن الاعتقال ودفع غرامة مالية، وهو ما حدث فعلياً لعدد من الفنانين وأصحاب الحفلات.
ودائماً ما تعزو الميليشيات هذه الإجراءات إلى تعزيز "الهوية الإيمانية" والقيم المجتمعية بغية "تحقيق النصر على أعداء الأمة ونصرة للمجاهدين في ميادين البطولة"، وهي أدبيات تتشابه وتلك التي يكرسها النظام الإيراني.
وسبق وقال المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام إن "لعقود طويلة تعرض اليمن لتجريف في الثقافة والفكر ومسخ للهوية اليمانية الإيمانية". وأضاف في تدوينة له على "إكس" أنه "لمواجهة ذلك يجب الاعتناء بالمجال الفني وبالدراما".
وهو ما عده مراقبون شرعنة صريحة لجملة الإجراءات التي يشنها مسلحو جماعته، ووصفها حقوقيون بالقمعية التي تتعدى على حريات الناس وحياتهم الخاصة التي كفلتها الشرائع والقوانين.
توفيق الشنواح
صحافي يمني