
إلى أين يتجه التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين؟
أعلنت جماعة الحوثي ، السبت، رسمياً، مقتل أحمد غالب الرهوي، رئيس حكومة التغيير والبناء (غير المعترف بها)، مع عدد من الوزراء، وإصابة آخرين، في العدوان الإسرائيلي على صنعاء أول من أمس الخميس.
وأضافت أنّ عدداً من الوزراء أصيبوا بإصابات متوسطة وخطيرة نتيجة العدوان الإسرائيلي و"هم تحت العناية الصحية"،
وأكدت أنّ الحكومة ستقوم بدورها في إطار تصريف الأعمال، وأنّ "المؤسّسات ستستمر في تقديم خدماتها للشعب اليمني المجاهد الصابر الصامد ولن تتأثر مهما بلغ حجم المصاب".
وكشفت مصادر عن هوية عدد من وزراء حكومة الحوثيين (غير المعترف بها دولياً) الذين قتلوا في الغارة الإسرائيلية على صنعاء الخميس، وأفادت المصادر بمقتل وزير الخارجية جمال عامر، والإعلام هاشم شرف الدين، والكهرباء علي سيف، والإدارة المحلية محمد حسن المداني، والعدل وحقوق الإنسان القاضي مجاهد أحمد عبد الله، والنقل والأشغال محمد عياش قحيم، والشباب والرياضة محمد علي المولد.
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، يشنّ الحوثيون هجمات بالصواريخ الباليستية والطيران المسيّر والزوارق البحرية ضد السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي،
إلى أين يتجه التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين؟
شهدت العاصمة صنعاء، في 28 أغسطس 2025، تصعيداً إسرائيلياً غير مسبوق، تجلى في سلسلة من الغارات الجوية المركزة التي نفذتها مقاتلات إسرائيلية، على مواقع قالت تل أبيب إنها تضم "مراكز قيادة عليا" في مليشيا الحوثيين.
الغارات، التي بلغ عددها ما بين 10 و12 غارة جوية مركزة، استهدفت جبل عطان جنوب غرب صنعاء، الذي يضم مقر قيادة ألوية الصواريخ، إضافة إلى معسكر النهدين داخل المجمع الرئاسي، ومعسكر قوات الأمن المركزي في منطقة السبعين، ومقر وزارة الداخلية في منطقة الحصبة شمال العاصمة.
ويأتي هذا التصعيد رداً على إطلاق الحوثيون، في 22 أغسطس، صاروخاً باليستياً مزوداً برؤوس عنقودية نحو تل أبيب، ما أوقع 16 إصابة، وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى رفع مستوى رده العسكري.
الهجمات الأخيرة
بحسب مصادر محلية وإعلامية يمنية، أدت الغارات إلى دمار واسع في البنية التحتية، حيث طال القصف محطات كهرباء ومنشآت نفطية ومستودعات وقود، ما أثر على الخدمات الحيوية للعاصمة، دون إعلان حصيلة دقيقة للضحايا مع استمرار عمليات الإنقاذ والإسعاف في مواقع الغارات.
كما تركزت الضربات على قيادات حوثية بارزة، كانوا مجتمعون في عدة مواقع بصنعاء في وقت واحد، في محاولة لشل قيادة الجماعة وإضعاف بنيتها العسكرية.
وقبل أربعة أيام فقط، تحديداً في 24 أغسطس الجاري، شنت "إسرائيل" غارات استهدفت المجمع الرئاسي ومحطات كهرباء عسار وحزيز ومستودع وقود، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص وإصابة أكثر من 90 آخرين، وفق وزارة الصحة التابعة للحوثيين.
ومن الناحية الاستراتيجية، تعتمد جماعة الحوثي على قدرات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المدعومة إيرانياً، في حين ترد "إسرائيل" بغارات مركزة تستهدف موانئ وشبكات الطاقة ومواقع القيادة والسيطرة، بهدف إضعاف القدرة العسكرية والاقتصادية للجماعة، ومنعها من تهديد أمنها القومي.
ومنذ اندلاع حرب غزة، في أكتوبر 2023، أطلق الحوثيون أكثر من مئتي صاروخ وطائرة مسيرة على أراضي "إسرائيل"، وهو ما دفع الأخيرة لرفع مستوى ردعها العسكري بشكل ملحوظ.
تشير تقديرات رسمية إسرائيلية إلى أن الهجمات الحوثية أدت إلى إغلاق ميناء إيلات بنسبة 85%، قبل إعلان إفلاسه في يوليو 2025، كما أثرت على حركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر وقناة السويس التي شهدت انخفاض مرور السفن من أكثر من ألفي سفينة في نوفمبر 2023 إلى أقل من تسعمئة في أكتوبر 2024.
من جانبها نفذت "إسرائيل"، منذ منتصف 2024، نحو 15 غارة كبرى على مواقع حوثية، من بينها استهداف ميناء الحديدة في يوليو 2024، وقصف مطار صنعاء في مايو 2025، ما أسفر عن تدمير طائرات مدنية بلغت قيمتها ما يقارب خمسمئة مليون دولار.
لكن مع هجمات أغسطس 2025، بدا واضحاً أن "إسرائيل" وسعت من بنك أهدافها ليشمل عقد القيادة والسيطرة ومنشآت الطاقة، في محاولة لإرباك الحوثيين وإضعاف بنيتهم العسكرية والاقتصادية.
وسبق أن أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن "إسرائيل ستقطع كل يد تمتد ضدها"، مؤكداً أن الغارات على صنعاء والحديدة ستتواصل إذا استمرت الهجمات الصاروخية من اليمن، مضيفاً أن "الهجوم يأتي في إطار خطة شاملة لتفكيك قدرات الحوثيين".
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فاعتبر استهداف المراكز الحيوية للحوثيين "درساً قاسياً" للجماعة المدعومة من إيران، في رسالة واضحة مفادها أن العمليات الحالية ليست مجرّد ردود فعل مؤقتة، وإنما جزء من استراتيجية أوسع لردع الخصوم الإقليميين ومنع توسّع نفوذ الحركات المدعومة من إيران.
صراع طويل النفس
تُظهر الضربات الإسرائيلية المتكررة على صنعاء والحديدة، أن تل أبيب لم تعد تتعامل مع الحوثيين كتهديد ثانوي، بل كجزء مباشر من المعركة مع إيران كما يقول الباحث السياسي نجيب السماوي.
ويشير إلى أن التصريحات الرسمية الإسرائيلية، خصوصاً من كاتس، "تكشف عن استعداد لرفع السقف وصولاً إلى ضرب أهداف مرتبطة بطهران إذا استمر الدعم العسكري للجماعة".
ويضيف :
- يواصل الحوثيون ترسيخ خطابهم بوصفهم جزءاً من "محور المقاومة"، رابطين عملياتهم الصاروخية مباشرة بحرب غزة.
- هذا الخطاب يتيح لهم الحفاظ على شرعية داخلية وإقليمية، كما يضمن استمرار تدفق الدعم الإيراني، ما يعني أن قدراتهم ستبقى قابلة للتجدد حتى بعد الضربات الموجعة.
- إقليمياً، يطرح استمرار هذا النمط من الضربات والردود احتمال توسع الصراع إلى مسارح جديدة، خاصة في البحر الأحمر والخليج.
- أي انزلاق نحو مواجهة مباشرة بين "إسرائيل" وإيران قد يحول اليمن إلى ساحة ثانوية لحرب أوسع، ويضاعف من هشاشة الممرات البحرية والتجارة العالمية.
- على الصعيد الدولي، تبدو الجهود لاحتواء التصعيد محدودة التأثير حتى الآن، فالمواقف الغربية تركز على ضمان أمن الملاحة وحماية "إسرائيل"،
بينما يبقى البعد الإنساني في اليمن في المرتبة الثانية، ومع غياب ضغط دولي فعال على الطرفين، يستمر مناخ التصعيد بلا كوابح واضحة.
- بناءً على هذه المعطيات، يبقى الاتجاه المستقبلي مفتوحاً على سيناريوهين رئيسيين: الأول استمرار جولات "الكر والفر" بين الحوثيين و"إسرائيل" ضمن معادلة استنزاف متبادل،
والثاني توسع رقعة المواجهة إذا اختارت تل أبيب نقل ضرباتها إلى ما هو أبعد من اليمن. وفي الحالتين تبدو المنطقة أمام صراع طويل النفس لم تتضح نهاياته بعد.
توعّد المتمردون الحوثيون في اليمن السبت إسرائيل بـ"الثأر" بعد إعلان مقتل رئيس حكومتهم وعدد من وزرائهم في ضربة إسرائيلية على صنعاء قبل يومين.
وقال رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط في كلمة مصوّرة، "نعاهد الله والشعب اليمني العزيز وأسر الضحايا والجرحى أننا سنأخذ بالثأر"، وتوجه إلى إسرائيل بالقول "تنتظركم أياماً سوداوية".
ودعا "جميع المواطنين حول العالم الى الابتعاد وعدم التعامل مع أي أصول تابعة للكيان الصهيوني"، و"جميع الشركات" في إسرائيل "للمغادرة قبل فوات الأوان".
"استغلال فرصة استخباراتية"
في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي السبت أنه استهدف منشأة في اليمن أثناء وجود "مسؤولين عسكريين رفيعين ومسؤولين رفيعين آخرين" حوثيين داخلها. وقال الجيش في بيان إن رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي قُتل في القصف "إلى جانب مسؤولين حوثيين رفيعين آخرين".
وأضاف "تم تنفيذ الضربة بفضل استغلال فرصة استخباراتية وتنفيذ دورة عملياتية سريعة، جرت في غضون ساعات قليلة".
الحوثيون يتوعدون بـ "الثأر" لمقتل رئيس حكومتهم ووزراء بضربة إسرائيلية
وأعلن الحوثيون في وقت سابق السبت مقتل رئيس حكومتهم وعدد من أعضائها في الضربة الإسرائيلية على صنعاء أول من أمس الخميس، وهو أكبر مسؤول سياسي يُقتل في تداعيات المواجهة اليمنية - الإسرائيلية على خلفية الحرب في قطاع غزة.
وكان الحوثيون عيّنوا أحمد غالب الرهوي رئيساً للحكومة التي تعمل في مناطق سيطرتهم، في أغسطس (آب) 2024، خلفاً لعبدالعزيز بن حبتور.
وكان الرهوي الذي يتحدّر من جنوب اليمن ينتمي إلى حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي أسسه الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح والذي تحالف مع الحوثيين.
ويرى المتخصص في الشؤون اليمنية محمد الباشا المقيم في الولايات المتحدة، في العملية الإسرائيلية تحولاً في الإستراتيجية التي استهدفت في السابق بنى تحتية في اليمن.
ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية، "تشير الضربات إلى تحول في التركيز العملياتي الإسرائيلي، من استهداف البنية التحتية للنقل والطاقة إلى استهداف شخصيات بارزة"،
مضيفاً أنه "تصعيد من المرجح أن يهزّ أركان قيادة الحوثيين". ورأى الباشا أن هذه العملية "تحمل بصمات ضربة استخباراتية".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال بعد الغارة، "كما حذرنا الحوثيين في اليمن، من يمدّ يده على إسرائيل تُقطع يده".
عملية معقدة
وفي حين تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن قصف اجتماع حوثي خلال استماعهم المشترك لكلمة زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي في أحد المنازل جنوب العاصمة، سارع القيادي في الجماعة نصر الدين عامر إلى نفي تلك الأنباء، ووصف ضمن تدوينة نشرها عبر حسابه على منصة "إكس" الغارات الإسرائيلية بـ"الفاشلة كسابقاتها".
ونقل راديو الجيش الإسرائيلي عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن طائرات مقاتلة قصفت مجمعاً في منطقة صنعاء، حيث تجمعت قيادات من جماعة الحوثي، واصفاً الهجوم بأنه "عملية معقدة" تمت بفضل جمع معلومات استخباراتية وتفوق جوي.
وأضاف المسؤول "انتهزنا فرصة استخباراتية سانحة لتنفيذ الهجوم وتصرفنا بدقة وسرعة في اللحظة المناسبة".
وكانت مصادر أمنية إسرائيلية قالت إن القوات استهدفت مواقع مختلفة تجمع فيها عدد كبير من كبار المسؤولين الحوثيين لمشاهدة خطاب تلفزيوني مسجل للزعيم عبدالملك الحوثي.
دقة موجهة
ومنذ منتصف ليل أول من أمس، شهدت العاصمة صنعاء سلسلة انفجارات عنيفة هزت أرجاء المدينة ليعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن تلك الضربات التي وصفها بـ"الموجهة بدقة".
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن "سلاح الجو هاجم قبل قليل هدفاً عسكرياً تابعاً لنظام الحوثي الإرهابي في منطقة صنعاء، بدقة موجهة".
ونقل إعلاميون وناشطون ومنصات إخبارية أنباء متطابقة تحدثت عن استهداف منزل رجل أعمال يمني بارز بسلسلة غارات جوية بالتزامن مع وجود قيادات حوثية في ضيافته لمتابعة الخطاب الأسبوعي لزعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي.
وبالنظر إلى البنية الفكرية والعقائدية التي تقف عليها الجماعة الحوثية، فإن مقتل الرهوي لا يمثل أهمية إستراتيجية في بنك الأهداف الإسرائيلية،
لهذا كان من اللافت استهداف السياسي ذي السيرة الإدارية المتواضعة والمنحدر من محافظة أبين الجنوبية دون سواه من القيادات التاريخية والعقائدية المنتمية إلى السلالة "الهاشمية" التي تدعي اتصالها العرقي بنسل الصحابي علي بن أبي طالب، خصوصاً المنحدرة من محافظة صعدة شمال اليمن، منبع الجماعة الحوثية ومركز انطلاق فكرها القائم على الأيديولوجيا الطائفية المتشددة.