
كيف رسمت الرواية العمانية اتجاهاتها عبر أربعة عقود؟
صدر للناقد إسماعيل بن مبارك العجمي عن مؤسسة اللبان للنشر في عُمان كتابه (اتجاهات الرواية في عُمان: 1981-2020) بتقديم، ومقدمة، وتمهيد، وخمسة فصول، وخاتمة وملاحق، والكتاب في مجمله رحلة بحث واستقصاء في تاريخ إبداع الرواية في ذلك البلد العربي،
الذي شهد منذ سنوات قليلة نهضة أدبية مباركة، ولاسيما في كتابة الرواية والرحلات، وإذا كان تقديم الكتاب الذي تولى كتابته الجزائري عبد الحليم ريوقي،
قد أسهم في التعريف بالمؤلف ومتنه، فإن المقدمة أسهمت في الإشارة الذكية إلى أهمية الرواية وتعدد الأهداف، والمقاصد عند الروائيين العُمانيين، الذين قُدر لقسم منهم الفوز بجوائز أدبية مهمة،
فكأنه جعل من تلك الأهداف والمقاصد سببا في الدراسة، التي تولى القيام بها وهو يروم سبر أغوار الرواية، ورصد منجزها، وتسليط الضوء على اتجاهاتها الفاعلة في تاريخ الأدب العُماني الحديث، الذي هو – بلا شك – جزء من الأدب العربي المعاصر.
إذا كان تمهيدُ أي كتاب هو صورة مكبرة لعنوانه، الذي يتراءى للجميع مفتقرا إلى التفصيل، فإن تمهيد الكتاب ارتضى لنفسه أن يقدم عرضا موجزا لنشأة الرواية العُمانية، واتجاهاتها من دون أن يقف عند تحليل مصطلح (اتجاهات) الذي أشار إليه المؤلف إشارة فقيرة في المقدمة حين قال (ما نقصده من كلمة اتجاه، أي دراسة المضمون العام والغالب للرواية)،
وليس الاتجاه محدد بما ورد في كلمة المؤلف، إنما المراد بالاتجاه الرؤية التي سلكتها الرواية العُمانية للوصول إلى أهدافها من خلال مواقفها المعلنة في متونها، التي شكلت مع بعضها مواقفها من الحياة، وظواهر الكون الأخرى.
لقد سعى التمهيد إلى الوقوف عند تاريخ الرواية العُمانية، وهذا ما أشار إليه عنوان الكتاب المنفتح على مكان إبداعها وزمانها،
وقد وجد المؤلف أن أول نص روائي عماني عنوانه (الأحلام) نشر في عام 1939 في مجلة «الفلق» العُمانية التي كانت تصدر في زنجبار يوم كانت تلك البلاد جزءا من عُمان، وهي لكاتب مجهول،
فضلا عن أن مخطوطا روائيا آخر لكاتب مجهول أيضا حمل اسم (مكان في قاع للسقوط اسمه مسقط) يعود إلى سبعينيات، أو ثمانينيات القرن المنصرم، لكنه لم ينشر، وقد عد المؤلف تلك الكتابات إرهاصات أولى في كتابة الرواية.
يقف المؤلف عند رواية «ملائكة الجبل الأخضر» للروائي عبد الله الطائي المنشورة في عام 1963، تلتها رواية «الشراع الكبير» في عام 1981 للطائي نفسه، الذي عده مؤلف الكتاب (رائد الرواية العُمانية من الناحية الزمنية)،
أي أنه صاحب الريادة التاريخية، بل هو عنده رائد الرواية التاريخية في الخليج العربي كله، وعلى الرغم من ظهور عدد من الروايات العُمانية بين الأعوام 1988-1999،
إلا أن المؤلف لم يقف عند تلك الروايات ليحدد ريادتها الفنية، معولا على الروايات اللاحقة التي عدها (أكثر نضجا فنيا)، لكن المؤلف وجد أن روايات (2012-2020) أحدثت قفزة نوعية وكمية،
على الرغم من اختلافها فنيا وبنائيا، وكأنه أرد أن يقول إن من بينها حضرت روايات الريادة الفنية.
في الفصل الأول من الكتاب (الاتجاه التاريخي) درس المؤلف العلاقة بين التاريخ والرواية، ثم عرج على مفهوم الرواية التاريخية عند الغرب، الذي يتلخص في كونها رواية تثير الحاضر،
فضلا عن كونها تقرب الماضي إلينا، وهي عند آخرين قصة تاريخية تتناول الماضي، بمعنى أنها تقدم التاريخ محكيا على ورق، والرواية التاريخية في النقد العربي تعتمد التاريخ في رؤيتها وبنائها،
فهي سرد يدور حول حوادث تاريخية وقعت بالفعل، فضلا عن أنها سرد قصص يركز على وقائع تاريخية تنسج حولها كتابات تحديثية ذات بعد إيهامي بهدف تعليمي تربوي، وقد تمكن المؤلف من الإحاطة بالتعريفات النقدية العربية للرواية التاريخية،
وخلص إلى عدم اتفاق النقاد على تعريف واحد موحد ليقدم تعريفه الذي يقول، إن الرواية التاريخية سرد نثري متخيل إبداعي لوقائع تاريخية على ألسنة شخصيات تاريخية حقيقية ومتخيلة، يسعى الروائي من خلالها إلى ربط الماضي بالحاضر بهدف متشعب،
وهي عند العمانيين ترتبط بروايتي عبد الله الطائي «ملائكة الجبل الأخضر»، و»الشراع الكبير» فضلا عن رواية سيف السعدي «من الجانب الآخر»، وروايات أحمد الزبيدي «أحوال القبائل عشية الانقلاب الإنكليزي في صلالة» و»سنوات النار» و»امرأة من ظفار»،
وروايتي علي المعمري «همس الجسور» و»بن سولع»، ورواية محمد الرحبي «السيد مر من هنا»،
ويبدو لقارئ الكتاب، أن هذا الاتجاه هو أهم اتجاهات الرواية العمانية، لانفتاحه على الشخصيات التاريخية، والحوادث العُمانية الحقيقية، والأحداث السياسية، وعناية النقاد بها، وارتباط التراث بالتاريخ، فكانت الرواية في هذا الاتجاه درسا سرديا وتاريخيا مهما للمتلقي.
في الفصل الثاني (الاتجاه السياسي) انفتح الكتاب على مفهوم الرواية السياسية التي وجده المؤلف مقترنا بالرواية، التي تُعنى بمناقشة القضايا، والأفكار السياسية بقصد تحليلها، ورصد علاقتها بالسجون والعنف والتعذيب، من دون إهمال للجوانب الفنية،
وقد نشأت في عُمان مقترنة بالأحداث السياسية المعاصرة المحلية والخارجية، وهي تنفتح على ثيمات السجون والاعتقالات ومصادرة الفكر، والحريات، وخير من مثل هذا الاتجاه: رواية محمد الرحبي «رحلة أبو زيد العماني»،
ورواية محمد العريمي «حز القيد»، ورواية حسين العبري «الوخز»، ورواية محمد الفزاري «غيابات القبر»، وروايات أخرى قرأت الجوانب السياسة المختلفة المرتبطة بحياة الإنسان العُماني.
انفتح الفصل الثالث (الاتجاه النفسي) على جملة قضايا أهمها حياة الشخصيات الروائية الذهنية والوجدانية، بعيدا عن تقنيات الرواية المعروفة، وهدفها الكشف عن الداخل النفسي للشخصية الروائية من أفكار ومشاعر وأحاسيس، وتحليل الشخصية التي تعمل على تحريك الأحداث في ضوء نظريات التحليل النفسي،
فضلا عن قضايا الهوية الجندرية، ومن أهم الروائيين العمانيين الذين أبدعوا في الرواية النفسية: بدرية البدري في روايتها «ظل هيرمافروديتوس» التي تسرد حياة شخصية محرومة الهوية، فلا هي امرأة ولا هي ذكر، و رواية يونس الأخزمي «بدون» وشخصيتها التي هي في الظاهر أنثى لكنها في الواقع رجل،
فضلا عن روايات أخرى مهمة، ويبدو أن هذا الاتجاه أقل الاتجاهات وجودا في الرواية العُمانية.
في الفصل الرابع (الاتجاه الواقعي الاجتماعي) برزت الروايات التي اتخذت من الواقع المعيش فضاء لها، وهي تشهد التحولات على الأصعدة الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والسياسية، في عموم الخليج، وبلاد عُمان متخذة أشكالا مهمة للتعبير والسرد،
ولاسيما بين الأعوام (1988-1999) ممثلة برواية سيف السعدي «جراح السنين»، التي مثلت حياة ثلاثة أجيال عمانية، تريد التصالح مع الغرب، وروايته الأخرى «خريف الزمن»، التي طرحت مشكلات اجتماعية من خلال سردها،
فضلا عن روايات حمد الناصري «أوجاع الزمن الماضي»، و»الليلة الأخيرة»، و»ساعتي لا تزال تدق» و»مأساة في المدينة ونيران القلب» و»حكاية سوداء»، وروايات أخرى توسع الفصل في تحليل ظواهرها الاجتماعية،
وهي تتشابك وقضايا العمالة الوافدة، وظاهرة الفقر، والتمييز العرقي، ومجهولي النسب. أما الفصل الخامس الأخير فقد انفتح على (الاتجاه العلمي)؛ وهو اتجاه حاول فيه الروائيون دمج العلم في كتاباتهم استجابة لما فيه من أهمية في الحياة، من خلال عناية الروائي بالخيال العلمي، والرحلة الخيالية، والحقائق العلمية،
وقد مثل هذا الاتجاه خير تمثيل كل من، محمد قرط الجزمي، الذي يعد أول روائي عُماني كتب رواية الخيال العلمي في روايته «من دون مرآة»، التي تناولت قضية الاستنساخ البشري،
فضلا عن روايتيه «الشيطان يلهو» التي تتحدث عن قارة جديدة تبنى في المستقبل، و»أكثر من راو» التي تتحدث عن كاتب يهوى الكتابة، فيكتب مدونته الروائية، من خلال الاختراقات العلمية الخاصة بالحاسوب،
وثمة روائيون آخرون كتبوا الرواية العلمية منهم: سالم آل تويه، وحيدر الكشري، ومحمد الحارثي، ويونس الأخزمي، وزهران القاسمي، وهؤلاء جميعا قدموا روايات منفتحة على حقائق علمية، وخيال علمي خصب، ومظاهر تكنولوجية قربت العلم إلى ذهن المتلقي.
في خاتمة الكتاب حرص المؤلف العجمي، على تقديم ما توصل إليه من استنتاجات شملت الرواية العُمانية بالإحاطة والتمثيل، ومقترحات خص بها الروائيين، ودور النشر، والجامعات، ووزارة الإعلام بهدف رفع كفاءة الرواية العُمانية، ونشرها،
والعناية بها من جوانب كثيرة، وفي عتبة الملحق قدم المؤلف ملحقين: الأول فهرس للروايات العُمانية، حسب سنة النشر، وقد اشتمل على ثلاثمئة وست وعشرين رواية،
وأما الملحق الثاني، فقد قدم فهرس الروائيين العُمانيين، حسب أول نشر له، ثم كان الملحق الثالث، معنيا بالروائيات العُمانيات ونتاجهن الروائي، وقد بلغن اثنين وسبعين روائية حتى عام 2020، وختم الكتاب بفهرس للمصادر والمراجع الذي شهد للمؤلف غزارة اطلاعه.
تبرز أهمية كتاب «اتجاهات الرواية في عُمان» في أنه قدم الرواية العمانية، خلال نمو اتجاهاتها، واكتمالها واشتهارها، ليسد ثغرة كانت تشير إلى الحاجة الفعلية التي تضمنها متن الكتاب،
فضلا عن أن الكتاب تقصى بدقة ما نشر من الروايات العُمانية بوضوح سردياتها، وقد نجح المؤلف في تحليل أبرز ظواهرها الثقافية، وسبر أغوارها، وكشف عن أسماء الروائيين المغمورين، ممن كتب الرواية في وقت بعيد،
وقد أجاد الناقد إسماعيل العجمي في تقديم لغة نقدية خالية من الأخطاء، والغموض والتعمية، معتمدا على عدد كبير من المصطلحات الغربية والعربية التي أضاءت أيديولوجيا المادة المسرودة،
فضلا عن عنايته بالهامش الذي ضبطه بشكل دقيق، استوفى من خلاله المعلومات الخاصة بالكتب،
وقد منح المتلقي عن طريق قسم كبير من تلك الهوامش فرصة التعريف بالروائيين، والروائيات، والنقاد، والأعلام، فكان – والحق يقال – متفاعلا مع عنوان الكتاب وفصوله.
فاضل عبود التميمي
أكاديمي وناقد من العراق