الحرب تترك ندوبها على آثار اليمن.. هدم قصور تاريخية مبنية بالطوب "اللبن"
يتعرّض تاريخ مدينة تريم في محافظة حضرموت لعمليات هدم لقصورها التاريخية، بعد أنّ عجزت الدولة التي مزّقتها الحرب عن تحمّل تكاليف صيانتها.
وتشتهر مباني تريم بطابعها الفريد، فهي مبنية من الطوب اللبن وزاهية الألوان، وتتميّز بدمجها بين العمارة الحضرمية اليمنية وتأثيرات جنوب شرق آسيا.
وساهم البناؤون والمصممون والنحاتون والرسامون والنجارون وغيرهم من الحرفيين في "بناء قصور رائعة في تريم"، وفقًا لما قاله أحمد الرباكي من مؤسسة "الرند للتنمية الثقافية" لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
كما تُعرف تريم بأنّها معقل الصوفية في اليمن، ومركز تاريخي للدعاة الذين نشروا الإسلام في آسيا وأفريقيا والهند.
وتقديرًا لإرثها الثقافي الغني، اختارتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2010، ما دفع الحكومة اليمنية إلى القيام بحملة لإعادة طلاء وترميم بعض المعالم الأثرية، لكنّها كانت حملة قصيرة الأمد.
وفي أغسطس/ آب الماضي، ونظرًا لأهميتها الثقافية، أضيفت مدينة تريم إلى القائمة التمهيدية للتراث العالمي لـ "اليونسكو" في اليمن، تمهيدًا لإدراجها على قائمة التراث العالمي.
وعلى غرار المواقع التاريخية الأخرى في أنحاء اليمن، عانت قصور تريم من آثار الحرب التي استمرت لأكثر من عقد، ما تركها مهجورة ولم يتم ترميمها.
أبرز المواقع المهدّدة
ومن بين هذه المواقع الأثرية قصر عبد الرحمن بن الشيخ الكاف الذي يتميّز بهندسته المعمارية المذهلة. وهو واحد من بين 30 قصرًا مبنيًا من الطوب اللبن في تريم، والتي تجذب العديد من زوار المدينة.
بُني القصر بين الحربين العالميتين على يد أثرياء عائلة الكاف، وهم تجار اكتسبوا أموالهم في سنغافورة خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وقصر الكاف ليس الموقع الأول الذي يتمّ هدمه، إذ استُبدل بعضها بالفعل بمبانٍ خرسانية حديثة.
فقصر حمطوط الذي يرتفع بشكل مذهل في أحد أحياء تريم المكتظة بالسكان، بشرفاته المقوسة وأعمدته المزخرفة وواجهته المتناسقة، والذي تملكه عائلة الكاف، على وشك الانهيار.
وتظهر آثار التآكل على جدرانه، وقد تمّ تحديد الأرض المحيطة به بأحجار، في إشارة إلى بيع أجزاء منه، ما يزيد المخاوف على مستقبله.
كما أدت الحرب إلى إغلاق قصر القبة، وهو معلمٌ آخر من معالم المدينة. بُني القصر من الطوب اللبن، وهو يحمل آثارًا واضحةً لسنوات من الإهمال.
أُعيد استخدامه كفندق، لكن أجزاءً من جدرانه انهارت، وحلّ محلها سياج سلكي صدئ ومتدلي. أما مسبحه، فقد أصبح متصدعًا وفارغًا.
تدمير تاريخ وإرث تريم
وقال الصحفي حداد مسعيد، وهو صحفي محلي وثّق لحظات هدم القصر لصحيفة "الغارديان": "هذه القصور هي آخر آثار المدينة الحية المتبقية، ومن المحزن رؤية تاريخ وإرث تريم يُدمران بهدوء. في دول أخرى،
كانت الحكومات ستُحافظ عليه حتى لو كان عمره 30 عامًا فقط".
من جهته، ألقى محمد الكاف مالك القصر في حديث للصحيفة، باللوم على الحكومة اليمنية لتقصيرها في تمويل أعمال الترميم،
مشيرًا إلى أنّ عملية الهدم جرت بعد أنّ اشتكى الجيران من حالة المبنى والأضرار المحتملة التي قد تلحق بالمنازل المجاورة في حال انهياره.
وتُقرّ الهيئة العامة للآثار والمتاحف الحكومية المسؤولة عن التعامل مع المواقع التاريخية في اليمن، بالأزمة، مشيرة إلى أنّ معظم قصور تريم المبنية من الطوب اللبن في "حالة متداعية" ومعرضة لخطر الانهيار.
وتُعاني الهيئة كغيرها من الدوائر الحكومية، من ضائقة مالية، إذ لا تملك الموارد اللازمة لشراء أو تأجير أو ترميم القصور. ويقتصر دورها الرئيسي على إبلاغ الجهات العليا بآخر المستجدات بشأن العقارات والدعوة إلى الحفاظ عليها.