
للمرة الأولى في اليمن: اغتيال مسؤولة حكومية وسط المدينة
في أول استهداف من نوعه لامرأة بمنصب حكومي في اليمن، اغتال مسلحون مجهولون اليوم الخميس مديرة صندوق النظافة والتحسين في محافظة تعز افتهان المشهري، في واقعة غير معهودة هزت الشارع اليمني وأثارت استياء رسمياً وشعبياً.
وأطلق مجهولون وابلاً من الرصاص على المشهري أثناء مرورها في سيارتها بمنطقة جولة سنان بمدينة تعز، تسببت بمقتلها على الفور إضافة إلى شخص آخر كان إلى جوارها،
لم يجر التعرف على هويته بسبب إصابته البليغة في الرأس، كما أصيب شخص ثالث في الهجوم ذاته وسط المدينة التابعة لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها، قبل أن يلوذوا بالفرار على متن دراجة نارية،
وسط تنديد رسمي وشعبي تقدمه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، والذي وجه بسرعة إطلاق حملة أمنية لملاحقة الجناة وضبط الحال الأمنية في المحافظة، وفقاً لوكالة "سبأ" الرسمية،
وقال مصدر في شرطة محافظة تعز إن لجنة أمنية مشكّلة من المحافظ باشرت موقع الحادثة والتحقيق في الواقعة الخطرة.
وحول الجهة المتهمة أوضح المصدر أنهم "ينتظرون التقرير الرسمي بكل ما جرى التوصل إليه، ولا نستطيع الافادة بأية معلومات حتى الآن"،
مضيفاً أن "البحث الجنائي والأدلة الجنائية والتحريات والحملة الأمنية باشرت إجراءاتها في مسرح الجريمة وجمع المعلومات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة التي سنوافيكم بنتائجها"، دون مزيد من التفاصيل.
وعبرت كثير من التنظيمات الجماهيرية والسياسية والوقفات الاحتجاجية والمنظمات المحلية والدولية والأممية عن استنكارها وتنديدها بالحادثة، كونها نالت من امرأة مسؤولة في مجتمع يضع للنساء مكانة خاصة، وينأى بهن عن العنف والاعتداء مهما بلغت مستويات الصراع أو الخلاف،
إضافة إلى كون المشهري تحظى باحترام المجتمع في تعز والموظفين التابعين لإدارتها، نظير جهدها في رفع مستوى النظافة والتحسين الذي قامت به خلال الفترة الماضية، فيما أعلن موظفو صندوق النظافة وقفة أمام موقع الحادثة حتى تسليم الجناة للعدالة.
وابل من الرصاص
وتداول رواد مواقع التواصل صور سيارة المجني عليها وآثار الرصاص الذي اخترق سطحها ونوافذها ومقدمها، مما يؤكد عزم الجناة على القتل.
وفي أعلى رد فعل رسمي، أجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي اتصالاً عاجلاً بمحافظ تعز نبيل شمسان وعدد من القيادات المحلية والأمنية، ووجه الأجهزة الأمنية والعسكرية باتخاذ الإجراءات كافة لملاحقة العناصر الإجرامية وتقديمهم إلى محاكمة عاجلة".
مسلسل الاغتيالات
ولم تعلن أية جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الحادثة في المدينة التي تشهد انفلاتاً أمنياً مع تزايد الجرائم،
لكن مصادر إعلامية يمنية تداولت عبر مواقع التواصل خطاباً رسمياً من محافظ تعز نبيل شمسان في الـ 18 من أغسطس (آب) الماضي موجهاً إلى شرطة المحافظة لحماية المجني عليها من اعتداءات شخص نافذ سبق وجاء إلى مكتبها وهددها بالقتل،
ويتردد أن الجهات الأمنية باشرت بتعميم اسمه وطالبت بضبطه كمتهم بارز في الواقعة، لكن المصدر الأمني قال إنهم "ينتظرون تحقيقات اللجان الميدانية التي لم ترفع بتوصياتها حتى اللحظة".
ويأتي هذا الاغتيال ضمن سلسلة من حوادث العنف التي تزايدت خلال أعوام الحرب في محافظة تعز التي تعيش حالاً من الفوضى الأمنية، حيث شهدت أخيراً كثيراً من عمليات ومحاولات الاغتيال التي استهدفت مسؤولين مدنيين وعسكريين،
وآخرها مقتل مدير أمن مديرية التعزية عبدالله النقيب على يد مجهولين، إثر تفجير سيارته بعبوة ناسفة أثناء مروره في شارع جمال عبدالناصر وسط المدينة،
وهو ما يعكس تصاعداً مقلقاً في موجة العنف، مما دفع النشطاء إلى مطالبة السلطات بالتحرك الفاعل لتقديم الجناة إلى العدالة، والعمل على تأمين حياة المواطنين في ظل هذه التهديدات المتزايدة.
استنكار الكارثة الأخلاقية
ومثلما أثارت استياء الشارع اليمني فقد تسببت الحادثة بحرج شديد للحكومة الشرعية التي تتقاسم مع ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران السيطرة على محافظة تعز، الأكبر من حيث السكان
حيث تسيطر جهات عدة محسوبة على "الحكومة الشرعية" على قلب المدينة، فيما تخضع الضفة الشرقية من المدينة للحوثيين.
وكتب سفير اليمن لدى بريطانيا ياسين سعيد نعمان على حسابه في موقع "فيسبوك" قائلاً "كنا بالأمس نقف بقوة أمام المجتمع الدولي ونحن نتحدث عما تتعرض له المرأة اليمنية من قمع واعتقال وتشهير من قبل جماعة الحوثي،
ونستشهد بكثير الحالات التي تعرضها نساء اليمن اللاتي تعرضن للسجن والتعذيب والأذى الجسدي والنفسي، مطالبين بإدانة هذا السلوك الدخيل على القيم اليمنية وحقوق الإنسان الذي جاء مع الحوثي، وفي الصدارة منها حقوق المرأة".
وأضاف متسائلاً "ترى كيف سنفسر ما حدث اليوم في مدينة تعز من كارثة أخلاقية بكل معنى الكلمة، إذ لم يشهد اليمن لها مثيلاً في تاريخه القريب"،
واعتبر نعمان أن "اغتيال افتهان المشهري انقلاب أخلاقي جذري جرى في مدينة طالما تطلع إليها اليمنيون كمركز حضاري ظل يعيد تشكيل الإنسان بقواعد الحب والمدنية، واحترام حقوق الانسان والدفاع عن كرامته، وتقدير مكانة المرأة كأهم عنصر في منظومة القيم التي شكلت على الدوام العنصر الجامع لأبناء هذه المدينة"،
مضيفاً "لا شك في أن هذه حادثة خطرة لها ما بعدها، فإما أن تكون مقدماً لتدهور قيمي، أو الانضباط واستعادة المدينة مع ضرورة الانتباه إلى أي اختراق حوثي يشعل مثل هذه الفوضى، في معركة يستخدم فيها كل الأوراق".
توفيق الشنواح
صحافي يمني