
الحوثيون يشيّعون حكومتهم... وسط حملة اعتقالات بتهم «التجسس»
الرأي الثالث
على وقع توسيع حملة اعتقالات وتنديد الأمم المتحدة باحتجاز دفعة جديدة من موظفيها، شيّعت الجماعة الحوثية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء رئيس حكومتها أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه، الذين قُتلوا في ضربة إسرائيلية الخميس الماضي.
وإذ تُعدّ هذه هي أكبر خسارة سياسية تتعرض لها الجماعة المتحالفة مع إيران منذ انخراطها في الصراع مع تل أبيب،
جاء التشييع وسط مساعٍ دعائية لتأكيد «تماسك المؤسسات» ونفي أي اختراق أمني، رغم الانتقادات الداخلية التي حمّلت الجماعة مسؤولية التفريط في حماية قياداتها.
ويرى مراقبون أن إسرائيل نجحت في تحقيق «اختراق استخباري غير مسبوق» مكّنها من استهداف الصفين السياسي والإداري للجماعة.
وحسب مصادر يمنية وثيقة الاطلاع، أطلقت الجماعة يد مخابراتها لتكثيف حملات الاعتقال بحق العشرات من الموظفين في مقر رئاسة الحكومة الانقلابية ومقار وزاراتها، متهمةً إياهم بالتجسس،
كما اعتقلت 11 موظفاً جديداً في الأمم المتحدة بصنعاء والحديدة. وقوبلت الاعتقالات بإدانة شديدة من المبعوث الأممي هانس غروندبرغ والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
ومع محاولة الجماعة خلال التشييع طمأنة أنصارها، والتأكيد على تماسك أجهزتها الأمنية والسياسية، وعلى عدم وجود أي اختراق أمني، تبنّى المتحدث العسكري باسمها يحيى سريع إطلاق صاروخ باليستي زاعماً أنه أصاب بشكل مباشر ناقلة النفط «سكارليت راي».
لكنّ تقارير ملاحية دولية قلّلت من أثر الهجوم الحوثي؛ إذ ذكرت شركة «أمبري» البريطانية للأمن البحري وهيئة التجارة البحرية البريطانية أن السفينة، التي ترفع علم ليبيريا وتعود ملكيتها لشركة إسرائيلية، لم تُصب بأضرار تُذكر،
وأن طاقمها واصل الرحلة بسلام رغم سماع انفجار قوي قربها على بُعد 40 ميلاً بحرياً جنوب غربي ميناء ينبع السعودي.
وبحسب مراقبين يمنيين، مثلت العملية الإسرائيلية «ضربة نوعية» غير مسبوقة في استهداف الصف السياسي الأول للحوثيين، بعدما ركزت الضربات السابقة على منشآت حيوية ومخازن أسلحة ومطارات وموانٍ.
ويرى المراقبون أن تل أبيب «حققت اختراقاً استخبارياً لافتاً» بعد نحو عام من بدء مواجهة الحوثيين معها على خلفية حرب غزة.
وإذ سعت الجماعة إلى تصوير تشييع الوزراء بأنها رسالة صمود، حاول مفتاح في خطابه طمأنة الموالين بشأن «تماسك مؤسسات الدولة»، و«الالتفاف الشعبي».
ويقول المراقبون إن الحوثيين يحاولون «تغطية الإخفاق الأمني» بمزيد من القمع الداخلي، بينما يواصلون في الوقت نفسه تصعيد الهجمات ضد إسرائيل، سعياً إلى إظهار أنهم لم يتأثروا بخسارتهم السياسية.
ومع تأكيد الأمم المتحدة اعتقال الحوثيين 11 من موظفيها في صنعاء والحديدة، ذكرت مصادر حقوقية أن مخابرات الجماعة الانقلابية اعتقلت عشرات الأشخاص بتهمة التجسس،
بينما توعّد زعيم الجماعة بالمزيد من الاعتقالات، في مسعى للتغطية على الفشل في تأمين حياة أعضاء حكومته الذين قُتلوا في ضربة إسرائيلية.
وفي سياق الردود الدولية، أدان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بشدة الموجة الجديدة من الاعتقالات «التعسفية» لموظفي الأمم المتحدة التي جرت الأحد في صنعاء والحديدة من قبل الحوثيين،
وكذلك الاقتحام القسري لمقرات الأمم المتحدة والاستيلاء على ممتلكاتها.
وأوضح غروندبرغ أنه تم اعتقال ما لا يقل عن 11 موظفاً ليضاف هذا العدد إلى 23 شخصاً من موظفي الأمم المتحدة ما زالوا رهن الاحتجاز، بعضهم محتجز منذ عامي 2021 و2023، بالإضافة إلى أحد الموظفين الذي توفي أثناء الاحتجاز في وقت سابق من هذا العام.
ملاحقة في صنعاء
وذكرت مصادر وثيقة الاطلاع أن ما يسمى جهاز مخابرات الشرطة الذي يقوده علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، شن حملة اعتقالات طالت العشرات من الموظفين في مقر رئاسة الحكومة الانقلابية وبعض الوزارات على خلفية اتهامهم بتسريبات سهَّلت على تل أبيب استهداف المنزل الذي يُستخدم لاجتماعات الوزراء منذ أشهر عدة بعد أن تم استئجاره من مالكه الذي ينحدر أيضاً من سلالة الحوثيين.
ووفق ما ذكرته المصادر، فإن الجماعة الحوثية اعتقلت الموظفين الذين يُشك في ولائهم بحجة أنهم علموا بمكان الاجتماع وموعده بحكم عملهم في رئاسة الوزراء وبعض الوزارات، وهو أمر أشار إليه زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي؛ إذ قال إن أجهزة مخابراته حققت نتائج جيدة في ملاحقة من وصفهم بـ«الجواسيس»، وتوعد بمزيد من الاعتقالات.
ووفق ما أفادت به المصادر، فإن مسؤولي الأحياء في العاصمة صنعاء وتحت إشراف مندوبي الحوثيين، سلّموا السكان نموذجاً جديداً لجمع البيانات، يتضمن اسم مالك المبنى وعدد الشقق فيه، وأسرّته، والسكان لديهم مع بياناتهم الشخصية والمناطق التي ينحدرون منها.
ويُعتقد أن هذه الخطوة مرتبطة بتحديث بيانات سكان المدينة ليسهل على الجماعة مراقبة من يُشك في ولائهم ومعرفة من الذين انتقلوا للإقامة فيها مؤخراً.
هذه التطورات جاءت في وقت لا يزال فيه الحوثيون يواصلون اعتقال أمين عام جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء للأسبوع الثاني على التوالي، ومعه عدد من القيادات، رغم رضوخ قيادة الحزب لمطالبهم بعزل أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس الأسبق، من موقعه نائباً لرئيس الحزب.
تكثيف القمع في تعز
وحسب إشراق المقطري، عضو اللجنة اليمنية المعنية بالتحقيق في ادعاءات انتهاك حقوق الإنسان (حكومية مستقلة)، فإن الحوثيين وسّعوا حملة الملاحقة ضد المعلمين والتربويين في مديرية شرعب الرونة، وخاصة ذوي التأثير والحضور في مدارسهم، في المديريات التي تخضع لسيطرتهم في محافظة تعز.
وذكرت المسؤولة اليمنية أن الحملة لم تتوقف عند مديرية ماوية ومديرية حيفان، بل شملت أيضاً مناطق أخرى، منها مديرية شرعب الرونة، حيث قام المسلحون الحوثيون باعتقال عدد من المعلمين من داخل منازلهم وبعضهم أثناء وجودهم في السوق.
وأغلب المعتقلين تم التعتيم على أسمائهم؛ لأن أسرهم تعتقد أن ذلك سيساعدها في مساعي الوساطة التي وعد وجهاء قبليون بالقيام بها لدى قيادة الجماعة لإطلاق سراحهم.
ومن بين أسماء من كُشف عن اعتقالهم: إبراهيم عبد السلام، وإبراهيم الراعي، وعصام عبد الله، وعبد الرقيب مدهش، وجعفر نصر، ومحمد رزاز، وجميعهم يعملون في مدارس الميثاق، والمقداد بن عمرو، و«22 مايو» والسعادة.
وفي مديرية حيفان الواقعة على أطراف محافظة تعز مع محافظة لحج، شن الحوثيون حملة اعتقالات طالت عدداً من المعلمين في مدرسة التحرير في قرية المشاوز، ومدرسة عبد العزيز عبد الغني، ونقلوهم إلى معتقل «الصالح» سيئ السمعة في ضواحي مدينة تعز.