
تحركات مصرية - سودانية تستبق افتتاح إثيوبيا سد النهضة رسمياً
الرأي الثالث - وكالات
في وقت تستعد فيه إثيوبيا لتدشين سد النهضة رسمياً يوم التاسع من سبتمبر/ أيلول الحالي في حفل ضخم تعوّل عليه أديس أبابا لإظهار المشروع منجزاً استراتيجياً ووطنياً، تكثّف القاهرة والخرطوم تحركاتهما السياسية والدبلوماسية، لتأكيد عدم شرعية التشغيل الأحادي للسد من دون اتفاق ملزم، وسط مخاوف متصاعدة من انعكاسات الخطوة الإثيوبية على الأمن المائي لدولتي المصب.
وشهدت القاهرة، أمس الأربعاء، جلسة مباحثات مصرية - سودانية على مستوى وزيري الخارجية والموارد المائية في البلدين، بمشاركة بدر عبد العاطي وهاني سويلم من الجانب المصري، وعمر صديق وعصمت قرشي من الجانب السوداني، جرى خلالها بحث الموقف المشترك من التطورات الأخيرة بشأن السد، وسبل التصدي للإجراءات الأحادية الإثيوبية.
وأكدت مصر والسودان، في ختام اجتماعات آلية (2+2) لوزراء الخارجية والري بالقاهرة، أن الأمن المائي للبلدين "جزء واحد لا يتجزأ"،
مجددين رفضهما الكامل للتحركات الأحادية الإثيوبية في ملف سد النهضة، التي وصفاها بأنها مخالفة للقانون الدولي، وتشكل تهديداً لاستقرار حوض النيل الشرقي.
وحذّر الجانبان من "المخاطر الجسيمة" المترتبة على الملء والتشغيل غير المنسق للسد، بما يشمل سلامته والتصريفات المائية وأوضاع الجفاف،
مؤكدين تمسكهما بالعمل المشترك لحماية الحقوق المائية لدولتي المصب وفق اتفاقية 1959، والتنسيق في المحافل الدولية لمواجهة السياسات الإثيوبية الأحادية.
وأكد أستاذ هندسة المياه والسدود بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، أهمية الموقف الموحد بين مصر والسودان لمواجهة السياسات الإثيوبية، مشيراً إلى أن تباين المواقف السودانية في مراحل سابقة، منح أديس أبابا فرصة للتسويف والمماطلة.
وأضاف: "الوضع تغير حالياً بعد تقارب الموقفين المصري والسوداني، وهو ما يعزز القدرة على الضغط الدبلوماسي والسياسي".
وشدد شراقي على أن السد لم يعد مجرد مشروع فني لتخزين المياه وتوليد الكهرباء، بل يمثل للسودان "أداة عسكرية" في يد إثيوبيا، يمكن أن تُستخدم في أي نزاع محتمل،
محذراً من المخاطر المباشرة على سد الروصيرص السوداني الذي يرتبط تشغيله مباشرة بسد النهضة.
وكانت مصر قد أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول 2023، فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات، وإغلاق المسار التفاوضي بعد أكثر من 13 عاماً من المحادثات، من دون التوصل إلى اتفاق ملزم.
ويرجح شراقي أن تقدّم مصر والسودان خطاب اعتراض مشترك لمجلس الأمن، بالتزامن مع الافتتاح الإثيوبي، باعتبار الخطوة مخالفة للاتفاقيات والأعراف الدولية المنظمة للأنهار العابرة للحدود،
فضلاً عن اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث عام 2015 في الخرطوم.
ورغم تعقيدات المشهد، يرى شراقي أن التوصل إلى اتفاق مكتوب لم يعد مستحيلاً، موضحاً أن العقبة الأساسية المتعلقة بسنوات ملء سد النهضة انتهت فعلياً بعد إتمام إثيوبيا عملية الملء.
وأشار إلى أن مصر تستطيع استثمار علاقاتها مع القوى الكبرى للضغط على أديس أبابا، إضافة إلى ورقة أخرى تتمثل في حاجة إثيوبيا إلى إنشاء سدود معاونة لضمان كفاءة سد النهضة، وهو ما لا يمكن أن يتم من دون توافق مع مصر والسودان.
من جانبه، لم يستبعد خبير الأمن الإقليمي اللواء محمد عبد الواحد، الخيار العسكري إذا ما تأكدت نية أديس أبابا الإضرار بالمصالح المصرية.
وقال "هناك وسائل عدة للتعامل الأمني والعسكري مع السد إذا شكّل تهديداً وجودياً لمصر"، مشدداً على أن استبعاد هذا الخيار بعد اكتمال بناء السد "غير صحيح".
ولفت عبد الواحد إلى أن مصر تكبدت أضراراً كبيرة خلال مراحل الملء السابقة، لكنها تمكنت من التكيف معها رغم كلفتها الباهظة.
غير أنه شدد في الوقت نفسه على أن السياق الدولي والإقليمي ربما يحد من إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري، الأمر الذي يفرض ضرورة المضي بمسارات ضغط أخرى.
في المقابل، واصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إطلاق رسائل متفائلة من موقع السد، مؤكداً أن المشروع يمثل "تحولاً استراتيجياً" يعيد صياغة موقع بلاده في معادلة القوة الإقليمية.
وقال: "انتهت قرون من الركود الجيو-سياسي، وبدأ عصر جديد من التنمية والسيادة الوطنية".
وفي مواجهة الانتقادات الموجهة لبلاده، شدد أحمد على أن استخدام إثيوبيا جزءاً محدوداً من مياه النيل "لا يُعدّ جريمة ولا اعتداء على حقوق الآخرين"، مؤكداً أن المياه تُطلق عبر التوربينات والممرات، بما يضمن استمرار التدفق إلى مصر والسودان.
وجدد أحمد، رغبة بلاده في العمل مع مصر والسودان، وتعزيز الشراكة في مشروع سد النهضة، الذي وصفه بأنه مشروع تكاملي بين الدول الثلاث.
وأكد أن السد، بعد أن اكتمل، يضمن تدفق المياه على مدار العام لدولتي المصب، ويمنع الفيضانات، ويعزز الترابط الاقتصادي بين دول المنبع والمصب، ويسهم في تحقيق التنمية والاستقرار الإقليمي.
وفي لقاء أجراه من موقع سد النهضة مع التلفزيون الإثيوبي، قال آبي أحمد إن التباينات التي ظهرت سابقاً كانت نتيجة مخاوف من تأثير السد على أي طرف،
مشيراً إلى أن المشروع اكتمل من دون إلحاق ضرر، وأن اكتماله يوفّر أرضية جديدة للعمل المشترك نحو التكامل الاقتصادي والنهضة. وأكد أن إثيوبيا حققت حلماً تاريخياً راودها لأكثر من ألف عام،
واصفاً نهر النيل بأنه "نهر التحديات"، معتبراً سد النهضة أكبر تحدٍّ واجهته البلاد في تاريخها المعاصر، وتغلبت عليه رغم الضغوط الخارجية، والأزمات الداخلية، ومحاولات العرقلة التي سعت إلى وقف العمل في المشروع.
ومع اقتراب لحظة التدشين الرسمي، تتمسك القاهرة والخرطوم بمطلب التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يضمن حقوقهما المائية ويمنع أضراراً محتملة على أمنهما المائي، في حين تصر أديس أبابا على المضي قدماً في سياسات فرض الأمر الواقع.
وبين هذين الموقفين، يبقى المشهد مرشحاً لمزيد من التعقيد، وسط دعوات إلى تحرك دولي أكثر فاعلية لمنع تفجر أزمة مائية كبرى في قلب القارة الأفريقية.