حراك احتجاجي بمواجهة الانفلات الأمني في تعز
يبدو أن علاقة الخصومة بين الشارع والسلطات المحلية والعسكرية والأمنية في محافظة تعز في جنوب غربي اليمن، قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة، مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإقالة قيادات المنطقة التي يحمّلها الأهالي المسؤولية عما آلت إليه المدينة من انفلات أمني غير مسبوق.
وتشهد المحافظة حراكاً جماهيرياً احتجاجياً مع تزايد حالة الغضب الشعبي المتنامي، عقب ارتكاب مجموعة تنتمي إلى اللواء 170 دفاع جوي جريمة اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين افتهان المشهري، في جولة سنان وسط المدينة، وفي وضح النهار، الخميس الماضي.
وقد جاءت الجريمة ضمن مسلسل طويل من الاعتداءات التي ينفذها أفراد يتبعون الألوية العسكرية لمحور تعز، لكن اللافت هذه المرة أن جريمة الاغتيال طاولت امرأة، وهو ما يعد سابقة.
انتشار مجاميع مسلحة
جريمة الاستهداف قوبلت بإدانة من القوى السياسية والمجتمعية والشخصيات القيادية في تعز، التي أجمعت على موقف واحد يطالب بضرورة القبض على القتلة وتقديمهم للعدالة،
معتبرين أن هذه الجريمة تستدعي معالجة المشكلة الأمنية ككل، التي تفاقمت مع انتشار مجاميع مسلحة منتمية للجيش ترتكب جرائمها من دون أي رادع. وشهدت المدينة الأحد الماضي، مسيرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين للمطالبة بالقبض على قتلة المشهري وتقديمهم للعدالة. كما تم نصب خيام للاعتصام أمام مبنى المحافظة في شارع جمال عبد الناصر.
ويعتبر البعض في تعز أن المحافظ نبيل شمسان، وقائد محور تعز اللواء خالد فاضل، ومدير عام شرطة محافظة تعز العميد منصور الأكحلي، مسؤولون بشكل مباشر عن الجريمة نتيجة تقصيرهم في حماية الضحية، التي سبق أن تقدمت ببلاغات رسمية عن تلقيها تهديدات بالقتل من قبل المدعو محمد صادق المخلافي.
وكان محافظ تعز قد أصدر في 18 أغسطس/ آب الماضي، مذكرة رسمية إلى مدير عام شرطة المحافظة، تعقيباً على برقية سابقة تقضي بضبط المتهم محمد صادق حميد قاسم، لقيامه باقتحام مقر الإدارة العامة لصندوق النظافة والتحسين وإغلاقه وتهديد المشهري بالتصفية والقتل.
وتضمنت توجيهات المحافظ، وفق المذكرة، التأكيد على سرعة التوجيه بضبط المذكور وإحالته إلى جهات الاختصاص وفقاً للقانون، وتوفير الحماية الأمنية اللازمة لمقر إدارة الصندوق، والموافاة بالنتائج بصورة عاجلة، محمّلاً مدير الشرطة مسؤولية ذلك.
وعقب التهديد الذي تلقته المشهري، أرسل الأمن في تعز حملة أمنية لضبط المجموعة، إلا أن تسجيلاً صوتياً للمشهري، تم تداوله على نطاق واسع بعد مقتلها، تحدثت فيه عن التواطؤ الذي مارسه ابن عم الأكحلي، بإبلاغ العصابة عن نزول الحملة نحوهم لإفشال محاولة القبض عليهم.
وفي تطور جديد، اتهم المتحدث باسم شرطة تعز، المقدم أسامة الشرعبي، القيادي في اللواء 170 دفاع جوي محمد سعيد المخلافي، باعتراض الحملة الأمنية ومنعها من مداهمة أحد المنازل بحي الروضة، رُصد وجود منفذ جريمة اغتيال المشهري فيها، وفق ما ذكره في منشور له على منصة فيسبوك.
وأكد بيان مشترك صادر عن قيادة محور تعز ـ إدارة شرطة الأمن بمحافظة تعز، أول من أمس الاثنين، أن الحملة الأمنية نجحت بإلقاء القبض على أربعة من المتهمين الرئيسيين، ويجري تعقب بقية المتهمين.
كما قامت الحملة الأمنية المشتركة بانتشار واسع في المربع الشمالي الشرقي لمدينة تعز، حيث يُرجّح وجود المشتبه به، ونصبت نقاط تفتيش وحواجز أمنية، واستعانت بوحدات الشرطة النسائية لتفتيش بعض المنازل المشتبه بها، ضمن عمليات أمنية منظمة وبقيادة ميدانية وغرفة عمليات مشتركة تضمن أعلى درجات الانسجام والتنسيق.
وأعادت جريمة اغتيال المشهري إلى الأذهان سجلا طويلا من الجرائم الأمنية في تعز، أبرزها مقتل الطفل مرسال عيدروس مطلع مايو/ أيار الماضي، برصاص مدير قسم شرطة الشهيد الحكيمي، كامل الشرعبي، عقب شجار بين الأطفال، أثناء لعب كرة القدم، وأحال الأكحلي الشرعبي إلى التحقيق.
والأسبوع الماضي اختطفت قوات عسكرية تابعة للواء 170 دفاع جوي مجنداً يعمل في إدارة الأمن، يدعى رأفت صادق حسن غالب، بسبب كشفه انتهاكات تعرضت لها طبيبة وابنتها من ذات القوات.
وقالت أسرة الجندي إن جنوداً من اللواء 170 دفاع جوي على متن طقم عسكري، وعددهم 12 شخصاً اعتدوا على ابنهم بالضرب المبرح، وإطلاق الرصاص، ثم اختطافه من أمام منزلهم في حي الروضة بمدينة تعز.
وكانت طبيبة الأسنان عزيزة شرف وابنتها قد تعرضت لمحاولة اغتيال وإطلاق نار مباشر على سيارتها، من قبل نفس المسلحين الذين يتبعون الكتيبة الثالثة في اللواء 170 دفاع جوي.
مشكلة الأمن في تعز
وبرأي المحلل السياسي عبد الله العبيدي، فإنّ "مشكلة الأمن في تعز هي مشكلة مركبة، كون معظم الجرائم يرتكبها أفراد في ألوية عسكرية، تتم حمايتهم من قبل قيادات عسكرية عليا، وبسلاح الدولة الذي يفوق بالعتاد والقوة السلاح المتوفر لدى أجهزة الأمن،
ونتيجة عدم القبض عن المتهمين بالجرائم خلال الأعوام الماضية تمادى المجرمون أكثر لارتكاب جرائمهم لأن من أمن العقوبة أساء الأدب".
وأضاف العبيدي أن "تثبيت الأمن في تعز يستوجب إصدار قرار من قيادة الدولة لتفكيك اللواء 170 دفاع جوي، أو توزيع أفراده على الألوية الأخرى، أو نقل اللواء بالكامل إلى محافظة أخرى، وهو اللواء الذي ينتمي له معظم المطلوبين أمنياً،
لأن هذا اللواء تم تشكيله بالكامل من منطقة جغرافية واحدة تتحصن في مربعات محددة داخل المدينة وتملك سلاحاً ثقيلاً تستخدمه في نشر الفوضى الأمنية داخل تعز".
أما الناشط السياسي محفوظ القاسمي، فرأى أن "حادثة إغتيال المشهري تكشف عن حالة الانفلات الأمني في مدينة تعز، وسيطرة فصائل لا تؤمن بالدولة ولا بالقانون على الأجهزة الأمنية والعسكرية، مما أدى إلى تفاقم الوضع إلى حد ظهور الجريمة المنظمة، التي يستقوي منفذوها بمقدرات الشعب الأمنية والعسكرية.
كما تكشف عن حجم الفساد المالي والإداري الذي بات فتح ملفاته يهدد القيادات الإدارية ذات الكفاءة والنزاهة والاقتدار على تطوير العمل المؤسسي".
وأشار إلى أنه من أجل إنهاء حالة العبث والفوضى في مدينة تعز لا بد من الاستمرار بالضغط الشعبي بمسيرات سلمية، والتصعيد في سلم المطالب كلما تأخرت الجهات المعنية بالاستجابة، لتشمل بذلك تسليم الجناة، وتقديمهم للعدالة، بالإضافة إلى رفع مطلب الإصلاح الشامل في المحافظة".
فخر العزب
صحافي يمني