
دعم سعودي يجمّد صراع اليمن
جمد الدعم السعودي الأخير البالغة قيمته 368 مليون دولار جزءاً من الصراع المشتعل داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، على أثر القرارات الصادرة عن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، التي تسببت بأزمة كبيرة وإرباك لجهود المؤسسات العامة التي تنفذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
ويعيش اليمن على وقع هذه الأزمة التي لم تتوقف تبعاتها على المستوى المحلي، بالرغم من محاولة المجلس الانتقالي الجنوبي تدارك ذلك لطمأنة الجميع بإصدار بيان يؤكد أن هدفه تعزيز الشراكة والإصلاحات الاقتصادية والمالية؛ بل وصل ارتدادها إلى المجتمع الدولي والدول والمؤسسات والصناديق المانحة والمساندة لجهود الحكومة في الإصلاحات الاقتصادية والنقدية،
إذ تزامن ذلك مع سفر رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، سالم بن بريك، الذي انضم إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في الرياض للتباحث مع السلطات السعودية للحصول على وديعة أو دعم مالي،
حيث تعاني الحكومة والبنك المركزي اليمني في عدن، في ظل تنفيذ برنامج الإصلاحات، من أزمة نقدية ومالية كبيرة وشح في السيولة وعجز في الموازنة العامة التي كانت تعتمد بشكل كلي على عائدات تصدير النفط المتوقف منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
دعم سعودي
تعتبر المملكة العربية السعودية الراعي والداعم الرئيسي لما يسمى بتحالف الشرعية والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، حيث ربطت تقديم دعم اقتصادي تنموي جديد للجمهورية اليمنية بمبلغ مليار وثلاثمائة وثمانين مليوناً ومائتين وخمسين ألف ريال سعودي،
أي ما يعادل نحو 368 مليون دولار، عبر البرنامج السعودي لتنمية اليمن وإعماره؛ باستجابة القيادة السعودية لمناشدة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي، وتأكيداً لدعم المملكة للمجلس والحكومة اليمنية.
وكان قد سبق ذلك استدعاء جميع أعضاء المجلس الثمانية إلى الرياض والمبادرة لتهدئة الصراع الذي نشب بسبب الخلافات على عملية إصدار قرارات التعيينات، بالنظر إلى تحفظ عيدروس الزبيدي، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، على احتكار رئيس المجلس لإصدار قرارات التعيينات،
إذ تمت إحالة هذا الخلاف إلى لجنة قانونية لمراجعة جميع القرارات الصادرة.
صراع نفوذ
في السياق، كان الخبير الاقتصادي محمد الكسادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، قد أشار في حديثه إلى أن الأزمة الأخيرة الطارئة في عدن عقب بيان المجلس الانتقالي الجنوبي وما تبعه من قرارات تعيينات صادرة عن رئيس المجلس في عدد من المؤسسات والوزارات الحكومية؛
لن يكون لها أي تأثير على عملية تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية والنقدية وبيئة الأعمال الاستثمارية والمصرفية، مشيراً إلى أن ما يحصل عبارة عن صراع نفوذ لا غير.
وبدأت الأزمة من الهيئة العامة للأراضي في عدن عقب صدور قرار حكومي بتعيين سالم العولقي مديراً جديداً للهيئة منتصف أغسطس/ آب 2025، والذي قام بدوره بإجراءات لإصلاح بيئة العمل في مؤسسة عامة محور جدل وشبهات بالنظر إلى مشكلة الأراضي في عدن والمتاجرة والبسط عليها،
وصولاً إلى قيامه بتغييرات شملت تعيين مدراء جدد لإدارات الهيئة وفروعها، الأمر الذي أثار حفيظة أطراف في المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيسه عيدروس الزبيدي، وممارسة ضغط كبير على العولقي أدت إلى استقالته.
ومن ثم صعد "الانتقالي" بالمطالبة بالشراكة، وإصدار الزبيدي قرارات ليست من صلاحيته، لتعيين مدير جديد للهيئة وعدد من المسؤولين ونواب وزراء ووكلاء محافظات.
فخاخ عديدة
جاء ذلك بينما كان البنك المركزي اليمني يتعرض لفخاخ عديدة بسبب حزمة الإصلاحات النقدية والمصرفية التي ينفذها وتستهدف قطاع الصرافة، والتي نجم عنها تحسن كبير في سعر صرف العملة المحلية بنحو 50%.
غير أن هذه الجهود تواجه بإجراءات مضادة من قبل قوى وشبكات المضاربة، التي يرى كثيرون أنها كانت السبب في المتاجرة بالعملة وتدهورها خلال الفترة الماضية،
إضافة إلى اتهامها جهات مالية ومصرفية أخرى بالمضاربة بالعملة، وأزمة السيولة المتفاقمة بشكل كبير في عدن ومناطق إدارة الحكومة المعترف بها دولياً، في حين أضرت الإجراءات الحكومية بمصالحها،
حيث تستند وفق مراقبين وخبراء إلى قوى نافذة محسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي.
الخبير الاقتصادي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، يؤكد أن ما أقدم عليه "الانتقالي الجنوبي" بتعيين قيادات إدارية في مواقع مختلفة من خارج مؤسسات الدولة، يعد تجاوزاً لصلاحياته والأنظمة والقوانين سارية المفعول، وسيترتب عليه العديد من الآثار السلبية، كالدخول في صراعات جديدة على السلطة والثروة في إطار مكونات "الشرعية".
إضافة إلى محاولة عرقلة برنامج الإصلاحات، واستمرار التدهور الاقتصادي والإنساني واشتداد معاناة المواطنين؛ بدلاً من أن يكون عاملاً مساعداً يساهم في وضع نهاية لهذه المعاناة، ناهيك عن تعقيد الوضع السياسي وتراجع الدعم الدولي.
علاوة على ذلك فإن ما قام به يشير إلى عدم الإدراك بالتركيبة الحالية لسلطة الدولة أو تجاهلها، كما يشير إلى عدم فهم حدود صلاحيات مكونات الشرعية،
بالرغم من أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتمتع بنفوذ واسع على السلطة المحلية في عدن ويسيطر على القرارات التنفيذية لمؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، وعلى الأوعية الإيرادية المحلية والمشتركة والمركزية للمحافظة.
وحسب المعلومات، فإن هناك حسابات خاصة لـ"الانتقالي" خارج خزينة الدولة. مسكن للأزمات ومع ذلك، وفق قحطان، يشاهد غياب تام لـ"المجلس الانتقالي" في مجال إعادة البناء والتعافي لمؤسسات الدولة، وكل ما ينفذ من المشروعات العامة عبارة عن مساعدات خارجية،
ولا يظهر للسلطات المحلية والمركزية الموالية لـ"الانتقالي" أي مجهود يذكر في مواجهة الفساد وبناء مؤسسات الدولة بالصورة التي تمكنها من القيام بواجباتها لخدمة المواطنين.
وذكرت السلطات السعودية أن الدعم المقدم لليمن سيتم تخصيصه لدعم موازنة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ودعم المشتقات النفطية، إضافة إلى دعم الميزانية التشغيلية لمستشفى الأمير محمد بن سلمان في محافظة عدن، وفقاً لحوكمة تدعم جهود الحكومة اليمنية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
وبالرغم من اعتبار الدعم السعودي ليس أكثر من مجرد مسكن للأزمات الاقتصادية والسياسية، يمكن الحكومة من سداد رواتب الموظفين المتراكمة لأكثر من ثلاثة أشهر،
إلا أن قحطان يستطرد في هذا الشأن بالحديث عن أهمية ذلك للمضي في الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة، والتي يجب أن تشمل مواجهة الفساد، وإعداد الموازنة العامة للدولة والعمل بموجبها ابتداء من العام القادم، والأهم قبل كل ذلك وضع حد لصراع النفوذ على الثروة والمناصب والتعيينات، بحيث لا يكون هذا الدعم مجرد مسكن طارئ لتهدئة هذه الأزمة.
محمد راجح