من جلب النار إلى الحطب؟ فلسفة التهور الحوثي
في عالم تتشابك فيه المصالح وتتعارض فيه الشعارات مع الحقائق على نحو مؤلم، يظهر لنا التهور كفعل لا ينم عن شجاعة بقدر ما يعكس جهلًا عميقًا بمنطق القوة وقوانينها.
في اليمن، اتخذت جماعة الحوثي من نصرة غزة حجة لتدخل في صراع لا تملك أدواته ولا تبعاته، لتُشعل نارًا تأكل ما تبقى من حطب اليمن المنهك.
هذا الفعل، وإن بدا في ظاهره نصرة لقضية عادلة، إلا أنه في جوهره خذلان أكبر، إذ جلب الدمار على اليمنيين، من مصانع وموانئ ومحطات كهرباء، وزاد من معاناتهم الداخلية والخارجية.
إن فلسفة هذا الصراع تتجاوز المفرقعات الصماء التي لا تخيف خصمًا، بل تؤكد أن هذه الأفعال ليست سوى ذرائع، قد يستغلها الآخر ليُقدم اليمن على أنه جزء من "محور شر" أو محارب للسامية.
فماذا أفادت هذه الأفعال الشعب الفلسطيني المقهور؟ لا شيء سوى المزيد من الأمل الكاذب الذي سرعان ما يتحول إلى يأس، بينما الحقيقة الوحيدة التي تترسخ هي أن اليمن يدفع ثمنًا باهظًا لحماقة لا يملك منها سوى الشعارات الفارغة.
إذا نظرنا بعمق إلى مأساة فلسطين، سنجد أن الخذلان لم يأتِ من الأعداء بقدر ما أتى من "الأشقاء". إن العرب هم من حاصروا الشعب الفلسطيني أكثر من أي جهة أخرى.
لقد أغلقت الدول العربية أبوابها في وجههم، تاركة إياهم يواجهون مصيرهم وحدهم. هذا السلوك، وإن بُرر بمنطق "الحفاظ على الأرض الفلسطينية"، فإنه يطرح سؤالًا فلسفيًا وأخلاقيًا:
أليست أرواح الفلسطينيين أغلى من الأرض؟
إن الإنسان هو قيمة سامية تفوق قيمة المكان، مهما كان مقدسًا. فكيف يمكننا أن نبرر ترك شعب كامل يواجه الموت والحصار، بينما أبواب "إخوته" مغلقة في وجوههم؟
إن مشروع إسرائيل يسير قُدُمًا، وقد لا يوقفه إلا إرادة إلهية. ولكن، هل يُترك الشعب الفلسطيني وحده ليتحمل كل هذا العذاب؟ إذا كان العرب عاجزين عن النصرة،
فلماذا لا يفتحون لهم أبواب بلادهم؟ إن المأساة الحقيقية تكمن في أن الفلسطينيين محاصرون من قبل العرب أكثر من إسرائيل نفسها. يذهبون إلى الحدود المصرية على أمل أن تُفتح لهم، ولكن بلا جدوى. يطلبون فتات الطعام، فلا يجدونه.
إن هذا الموقف العربي هو أكثر بطشًا من إسرائيل، إذ يُجبر الشعب على مواجهة مصير لا يمكنه الانتصار فيه. إن الفلسطينيين هم الأحرار الوحيدون في هذا الوطن العربي، رغم جوعهم وموتهم،
بينما بقية العرب مكبلون بحكام وحكومات أكثر قسوة من أعدائهم. فلقد استقبلت الدول الأوروبية اللاجئين اليمنيين والسوريين والعراقيين، رغم عدم وجود روابط بينهم،
بينما تمنع الدول العربية منحهم التأشيرات وتفرض عليهم رسومًا باهظة، في تناقض صارخ مع شعارات الأخوة والدين والنسب التي يتشدق بها الإعلام العربي.
إن من يرى الحوثيين يطلقون مفرقعاتهم ويزعمون أنهم بذلك ينصرون فلسطين، إنما هو كمن يرى رجلًا يلقي بنفسه في النار ليُنقذ آخر، بينما لديه خيار آخر أفضل وأكثر حكمة.
هذا التهور لم يخدم فلسطين، بل زاد من دمار اليمن. إنه تجسيد للمنطق الأعمى الذي يرى في التضحية العشوائية بطولة، بينما البطولة الحقيقية تكمن في الحكمة والتدبر ووضع كل شيء في نصابه.
فإذا كان البعض يلوم من يتشفى بضربات إسرائيل للحوثيين، ويتهمهم بالعمالة والخيانة، فلماذا لا يوجهون اللوم أولًا لمن جلب هذه الضربات؟ إن الحوثي هو من استدعى هذه الحرب على أرض اليمن وشعبه.
فكيف يمكن للمرء أن يفرح بمن يقتل أبناء وطنه ويدمر أراضيه؟ هذا منطق غريب ومقلوب. إن من يتشفى بالدمار الذي يلحق بالحوثيين،
إنما يتشفى بمن جلب النار إلى الحطب، وليس بالنار نفسها. إنه يرى في هذه الضربات فرصة للتخلص من منبع البلاء الذي جلب على اليمن كل هذا الخراب.
والسؤال الذي يجب أن يبقى يتردد في الأذهان هو: من الذي جلب النار إلى الحطب؟