
الحوثيون في مواجهة الاختراق الإسرائيلي
كشف العدوان الإسرائيلي الأخير على اليمن يوم الخميس الماضي والذي أدى إلى مقتل رئيس حكومة الحوثيين أحمد الرهوي وعدد من الوزراء وقيادات أمنية خلال اجتماع لهم، عن حالة انكشاف أمني لدى الحوثيين.
اللافت أن العدوان الإسرائيلي هذه المرة كان هدفه تنفيذ عملية اغتيال بعد وصول معلومات إلى القيادة العسكرية الإسرائيلية عن وجود هدف ثمين بحسب التسريبات في الإعلام العبري، ما جعلها تتخذ قرار الموافقة على تنفيذ الغارات في اللحظات الأخيرة،
وهو ما جعل غارات 28 أغسطس/آب الماضي بمثابة ضربات استثنائية، بعد ما يقرب من 15 مرة شن العدوان الإسرائيلي غاراته على اليمن مستهدفاً بنى تحتية وحيوية مثل مطار صنعاء وموانئ الحديدة ومصنعي أسمنت في عمران وباجل ومحطات توليد طاقة كهربائية.
وكان اللافت أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، بادر بنفسه للاعتراف ضمنياً بأن الجماعة تعاني من حالة اختراق أمني. ففي خطاب متلفز له الأحد الماضي، أعلن الحوثي عن تدشين مرحلة جديدة مما سماها "المعركة الأمنية لتحصين الجبهة الداخلية من الاختراق"،
مؤكداً أنها "معركة أساسية ورديفة للمعركة العسكرية". خطاب الحوثي حمل إشارات إلى مسلحي جماعته الذين دشنوا حملة اعتقالات واسعة في المدن والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الجماعة،
شملت عدداً من المقربين من رئيس وزراء الحوثيين الذي قُتل في الغارات الإسرائيلية، كما استهدفت قيادات وناشطين في "المؤتمر الشعبي العام"، وسائقي دراجات نارية، وامتدت لتشمل أيضاً عدداً من موظفي الأمم المتحدة في صنعاء والحديدة.
وتعكس الاعتقالات حالة التخبّط التي تعاني منها الجماعة، والتي تحاول تحديد كيفية حصول الجانب الإسرائيلي على المعلومات التي قادته لاستهداف اجتماع الخميس، حيث يتوقع الحوثيون وجود ثغرات تقنية وتكنولوجية قادت الإسرائيليين للوصول إلى بعض المعلومات،
غير أن التخوف الأبرز من أن تكون إسرائيل قد نجحت بتحقيق اختراق بشري لجسد الجماعة الذي يعتمد في هيكليته على قيادات تعمل في الظل، ومتوارية عن الأنظار، بموازاة قيادات بارزة بلا صلاحيات مهمة.
مخاوف الحوثيين من الاختراق
وجاءت ضربة الخميس بعد أيام من تحذير عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين اللواء سلطان السامعي، في حوار مع قناة تلفزيونية حوثية، من أن "الاختراقات موجودة داخل الجماعة وبشكل أكبر مما حصل لحزب الله في لبنان ومما حصل في إيران".
ومع ذلك فإن الضربة الإسرائيلية تعد قليلة التأثير مقارنة بالضربات التي تلقاها حزب الله اللبناني، فالضربة الإسرائيلية لم تستهدف زعيم الحوثيين، ولا القيادات العسكرية للجماعة،
كما لم تستهدف أعضاء المجلس الجهادي الذي يمثل السلطة العليا في هيكل الجماعة، والقيادة الفعلية التي تتخذ القرارات وتوجّه السياسات.
فالحكومة التي كانت هدفاً للاستهداف والتي تمثل شكلياً حكومة شراكة بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام ـ جناح صنعاء، هي حكومة غير معترف بها، ولا تمتلك أي صلاحيات على أرض الواقع، كون الوزارات تدار من قبل "المشرفين" المعينين من قبل الجماعة،
أي أنها هيكل صوري يمكن تغيير الأسماء فيها من دون إحداث أي تغيير حقيقي.
ومع ذلك تعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة بمثابة تحوّل مهم في قواعد الاشتباك التي يفرضها الجانب الإسرائيلي.
كما أن وصول الجانب الإسرائيلي لاستهداف الحكومة يحمل رسالة إلى الحوثيين مفادها بأن المرحلة التي كان الإسرائيليون فيها بلا معلومات استخباراتية ولا بنك أهداف معين قد طُويت، وأن قيادات الجماعة باتت مهددة بالاغتيال أكثر من أي وقت مضى.
وتسعى قيادة الحوثيين للتقليل من تأثير الضربة الإسرائيلية، إذ تعمَّد عبد الملك الحوثي عدم ذكر قتلى الضربة في خطابه، كما أن الجماعة لم تعلن الحداد على قيادات الدولة الذين قُتلوا بالغارة الإسرائيلية،
على الرغم من إعلان الجماعة الحداد إثر مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطم طائرته في مايو/أيار 2024 وكذلك مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في سبتمبر/أيلول 2024.
وعلى الرغم من عدم امتلاك الحكومة في صنعاء أي صلاحيات، إلا أنها تبقى في نظر الجماعة رمزاً لبقاء مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين،
وبالتالي من الواجب ترميم ما حل بها بعد مقتل نصف وزرائها، وإصابة وزراء آخرين،
ولذا سارع رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط إلى تكليف نائب رئيس الوزراء محمد أحمد مفتاح بتصريف الأعمال، وهو من القيادات الحوثية العقائدية، والتي تملك نفوذاً كبيراً داخل الجماعة، وسبق أن حُكم عليه بالإعدام في العام 2005 بتهمة التخابر مع إيران.
وحتى الآن لم يتم تعيين وزراء جدد في الحكومة. وأفادت مصادر خاصة بأن هناك توجهاً لدى تيار كبير من قيادة الحوثيين يؤيد فكرة استبدال الوزراء وتعيين القيادي في المؤتمر الشعبي العام ـ جناح صنعاء، هشام شرف، رئيساً للحكومة التي من المتوقع أن تظل كسابقاتها بدون صلاحيات، وتبقى الصلاحيات في يد المشرفين الحوثيين.
وأضافت المصادر أن هناك جناحاً آخر داخل الجماعة يريد إقصاء المؤتمر الشعبي العام ـ جناح صنعاء من الحكومة، امتداداً لحالة التضييق عليه خلال الأسابيع الماضية، وتعيين حكومة جديدة جميع أعضائها من الحوثيين، مع منحها صلاحيات واسعة بحيث تكون حكومة حرب.
مرحلة جديدة من المواجهة
وقال المحلل العسكري المقدم أحمد المليكي، إن الضربة الإسرائيلية الخميس الماضي أثّرت على الحوثيين بشكل محدود، نتيجة استهداف قيادات مدنية غير فاعلة في صنع القرار داخل الجماعة،
وزاد على ذلك أن الحوثيين أنفسهم قللوا من حجم الضربة عن طريق عدم منحها الاهتمام اللازم. لكنه استدرك أنه يبقى للضربة تأثيرها الناتج عن رمزية الجهة المستهدفة أي حكومة الحوثيين، وكذلك التغير الحاصل في قواعد الاشتباك من خلال البدء بمرحلة الاغتيالات بعد فشل الإسرائيليين بتحقيق أي اختراق في هذا الجانب خلال الفترة الماضية.
واعتبر المليكي أن إسرائيل "تعاني في التعامل مع جماعة الحوثيين نتيجة عوامل عديدة، أهمها أن ساحة اليمن ظلت خارج اهتمام المخابرات الإسرائيلية، والحوثيون لم يكونوا عدواً محتملاً في الحسابات الإسرائيلية،
وبالتالي هناك ضعف تام في المعلومات، وغياب شبه تام لبنك أهداف، وهناك صعوبة في التعامل مع اليمن نتيجة المساحة الكبيرة، والمسافة البعيدة أيضاً، فضلاً عن صعوبة التضاريس في اليمن التي تمنح التفوق للحوثيين".
وأشار المحلل العسكري إلى أنه "من الصعوبة جداً أن تعتمد إسرائيل استخبارياً على الجانب البشري، لأن ذلك يحتاج سنوات من الإعداد، وبالتالي ففي المجال الاستخباراتي ستعتمد إسرائيل بشكل رئيسي على الجانب التقني والتكنولوجي في التجسس على قيادات جماعة الحوثيين وتتبُّعها، ويمكن أن تعتمد أيضاً على دعم الولايات المتحدة في هذا الجانب،
لكن من المحتمل بشكل كبير أن الجانب الإسرائيلي حصل على معلومات مهمة تتعلق بجماعة الحوثي عن طريق جواسيسه في لبنان وإيران،
ولذا فالأيام المقبلة ستكشف عما إذا كان الإسرائيليون قد نجحوا باختراق جماعة الحوثيين، وإلى أي مدى بلغ حجم الاختراق".
وأوضح أن إسرائيل "طالما دخلت مرحلة الاغتيالات في عدوانها على اليمن، فعلى الأرجح أنها ستستمر بتنفيذ غاراتها وفق هذا النهج، خصوصاً مع التصعيد الحوثي والذي بدأ بإطلاق صواريخ انشطارية باتجاه الأراضي المحتلة يصعب اعتراضها، أي أن الطرفين قد غيّرا من قواعد الاشتباك".
من جهته، قال الباحث السياسي في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، مراد العريفي ، إنه منذ الضربة الأولى التي شنتها إسرائيل ضد الحوثيين في يونيو/حزيران من العام الماضي بدا واضحاً أنها تفتقر إلى المعلومة لتكون ضرباتها ذات تأثير تدميري،
لكن الهجوم الأخير الذي استهدف حكومة الحوثيين رغم أنه لم يمس النظام العسكري للجماعة لكنه يشير إلى أن إسرائيل عملت بجهد وبشكل مركز على جمع المعلومات.
وأعرب عن اعتقاده أن إسرائيل وصلت إلى ثغرة استخباراتية من خلال عملية مركّبة تربط بين التقنية تتعلق بتتبع الاتصالات والمراقبة الجوية، والوصول على الأرض من خلال الرصد،
وهذا الأمر يتعزز مع سلوك إسرائيل في استهداف حزب الله وقادته والقادة الأرفع في إيران.
وأضاف الباحث السياسي أن "الأمر الآخر يتعلق بأن إسرائيل كما اخترقت محور المقاومة، فإنها بالضرورة قد اخترقت جماعة الحوثيين الذين كانوا ضمن دائرة المحور،
خصوصاً في ذات المرحلة التي سبقت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث كان التنسيق بين فصائل المحور يتم على مستوى واسع، يتعلق باليمن وسورية ولبنان والعراق وإيران".
وتابع أن الأمر الثالث يتعلق بحملة الاعتقالات التي شنتها جماعة الحوثيين، والتي طاولت العشرات من بينهم موظفون يعملون في وكالات الأمم المتحدة، على اعتبار أن هؤلاء لديهم اتصالات مع آخرين، وهي تهم جاهزة ومعدة سلفاً،
وهذا الأمر استبقه الحوثيون بحملة اعتقالات واسعة في محافظة الحديدة، حينما كانت التقارير تتحدث عن هجوم مرتقب للقوات الموالية للحكومة اليمنية منتصف العام الحالي.
واعتبر أن هذا "يشي أن حماية العسكريين من الاغتيالات الإسرائيلية هو الهمّ الشاغل للحوثيين، حتى بدا الأمر هستيريا أمنية داخلية تحاول من خلالها إيصال رسائل ردع لمن ينتقدها في أي جانب".
وأشار العريفي إلى أنه "بقدر ما خسر الحوثيون واجهتهم الإدارية، فإنهم قادرون على إعادة تشكيل حكومة في أسرع وقت من وجوه مختلفة، ليس بالضرورة من الأطراف المحسوبة على الجماعة،
ويبقى من السهل تعويض الشخصيات التي خسروها حيث لم يكونوا يمثلون أي قيمة فاعلة، نظراً لأن القرار الإداري مرتبط بقيادات الظل في الوزارات والجهات الحكومية والتي ترتبط بشكل مباشر بمكتب عبد الملك الحوثي".
فخر العزب
صحافي يمني